للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهورها هناك (بدقّة أفهام العرب وذكاء ألبابها) أي شدة فطانة فهومهم وحدة علومهم (ووفور عقولها) أي وكثرة تعلقهم وتأملهم (وأنّهم أدركوا المعجزة فيه) أي في القرآن (بفطنتهم) أي ما الجأهم إلى الاعتراف بكونه من معجزتهم (وجاءهم من ذلك) أي مما أدركوا فيه هنالك (بحسب إدراكهم) بفتح السين أي بمقتضى إدراكاتهم، لغاية فصاحته ونهاية بلاغته، (وغيرهم) أي ممن بعدهم ما عدا العرب (من القبط) أي قوم فرعون (وبني إسرائيل) أي قوم موسى (وغيرهم) أي ممن بعدهم ما عدا العرب (لم يكونوا بهذه السّبيل) أي بهذه الطريقة من دقة الفهم وذكاء الفطنة (بل كانوا من الغباوة) بفتح الغين المعجمة وهي عدم الفطنة وكمال الجهالة (وقلّة الفطنة) أي في بعض القضية (بحيث جوّز عليهم) أي على عقولهم (فرعون أنّه ربّهم) كما قال الله تعالى حكاية عنه أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى وقد قال عز وعلا فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (وجوّز عليهم السّامريّ) وكان من عظماء بني إسرائيل واسمه موسى بن ظفر (ذلك) أي كون ظهور ربهم (في العجل بعد إيمانهم) أي بموجبات إيقانهم (وعبدوا) أي طائفة من بني إسرائيل (المسيح) أي عيسى ابن مريم (مع إجماعهم على صلبه وَما قَتَلُوهُ) أي اليهود (وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء: ١٥٧] ) أي كما أخبر الله عنهم والمعنى صلبو من ألقي عليه الشبه بعد قتله كما قال تعالى وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ؛ (فجاءتهم) أي اليهود (من الآيات الظّاهرة البيّنة) أي الواضحة (للأبصار) المنفتحة (بقدر غلظ أفهامهم) أي وغلظ أوهامهم (ما) فاعل جاء وفي نسخة مما (لا يشكون فيه ومع هذا) أي المجيء بالأمور الظاهرة والأحوال الواضحة (قالوا) وفي نسخة فقالوا أي خطابا لنبيهم كما حكى الله عنهم بقوله تعالى (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: ٥٥] ) أي معاينة ظاهرة (ولم يصبروا على المنّ والسّلوى) أي على أكلهما وجعلوا الترنجبين من الحلوى والسماني من طير الشوي طعاما واحدا وقالوا لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ (واستبدلوا الذي هو أدنى) أي أقرب إلى الدناءة وأدون في المقدار والمرتبة كالبقل والقثاء والفوم والعدس (بالذي هو خير) أي في المرتبة واللذة وعدم الحاجة إلى الكد والمشقة وأقرب إلى الحيلة، (والعرب على جاهليّتها) أي على حالتها التي كانت عليها قبل ظهور النبوة من الجهل بأمور الشريعة وأحوال الديانة (أكثرها يعترف بالصّانع) بل جميعها كما هو ظاهر قوله تعالى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ولذا جاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بكلمة التوحيد وهو أن يقولوا لا إله إلا الله لا بأن يقولوا الله موجود لأن هذا مما اجمع عليه أهل الملل والنحل ولا يلزم من قول بعضهم حيث قالوا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ إن الدهر خالقهم إذ لم يقل به أحد منهم بل أرادوا به أن طول الزمان ودورة الدوران يقتضي أن يحيى بعضنا ويموت بعضنا فنسبوا بعض الأفعال إلى الدهر كما قد يتفوهون به أهل العصر وقد قال الله تعالى أنا الدهر أي خالقه أو المتصرف فيه (وإنّما كانت) أي العرب (تتقرّب بالأصنام إلى الله زلفى) أي تقربا كما قال الله تعالى حكاية عنهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى وَيَقُولُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>