الأسود (وتعمم) أي لبس عمامته (ووضع على رأسه رداءه وتلقى) بصيغة المجهول أي توضع (له منصّة) بكسر ميم ويفتح وبفتح نون وتشديد صاد مهملة سرير العروس وقيل مثل المخدة العالية وقيل المراد بها الكرسي (فيخرج فيجلس عليها وعليه الخشوع) أي آثاره من الخضوع (ولا يزال) قيل أي الشأن والظاهر أن الضمير لمالك (يبخّر) بتشديد الخاء المعجمة المفتوحة ويروى يتبخر (بالعود) ويعاد بِالْعُودِ (حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم قال غيره) أي غير مطرف (ولم يكن) أي مالك رحمه الله (يَجْلِسُ عَلَى تِلْكَ الْمِنَصَّةِ إِلَّا إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وسلم) أي بخلاف سائر العلوم من التفسير والفقه ونحوهما (قال ابن أبي أويس) وهو إسماعيل بن عبد الله بن أويس الأصبحي ابن أخت مالك بن أنس يروي عن خاله مالك وأبيه وجماعة وعنه الشيخان وعلي البغوي وطائفة قال أبو حاتم محله الصدق وضعفه النسائي (فقيل لمالك في ذلك) أي فسئل عن سبب ما فعله هنالك (فَقَالَ أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم ولا أحدث) بالنصب ويرفع (به) أي بحديثه عليه الصلاة والسلام (إلا على طهارة) أي كاملة (متمكنا) أي على حالة فاضلة لا متكئا ومعتمدا على شقة مائلة (قال) أي ابن أبي أويس (وكان) أي خاله مالك (يكره أن يحدّث) بكسر الدال المشددة أي يتكلم بالحديث النبوي (في الطّريق) أي سائرا (أو وهو قائم أو مستعجل) خوفا من الخطأ أو الخطل ومن ثمة قيل:
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
(وقال) أي مالك في تعليل ذلك (أحبّ أن أفهّم) بالتشديد أي الطالب (حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) بالوجه الأتم (قال ضرار بن مرّة) بضم ميم وتشديد راء أي أبو سنان الشيباني الكوفي يروي عن سعيد بن جبير وعنه شعبة ونحوه وكان من العباد والثقات (كانوا) أي السلف (يكرهون أن يحدّثوا) أي الحديث كما في نسخة (على غير وضوء) أي طهارة (ونحوه عن قتادة رضي الله تعالى عنه) أي وكان قتادة لا يحدث إلا على طهارة ولا يقرؤه إلّا على وضوء (وكان الأعمش) أي سليمان بن مهران (إذا حدّث) أي أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ (وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ تَيَمَّمَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ كُنْتُ عند مالك) أي يوما (وَهُوَ يُحَدِّثُنَا فَلَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً) كذا في النسخ المصححة ووقع في أصل الدلجي ستة عشر مرة فقال صوابه ست عشرة مرة إذ التاء إنما تلحق في مثل هذا التركيب ثاني جزأيه (وهو) أي مالك (يتغيّر لونه) أي من شدة الألم (ويصفرّ) أي وينحل إلى صفرة من أثر السم (وَلَا يَقْطَعُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم) أي محافظة على اكماله ومراعاة لإجلاله (فلمّا فرغ من المجلس) أي مجلس التحديث (وتفرّغ عنه النّاس) أي العامة (قُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ رأيت منك اليوم عَجَبًا قَالَ نَعَمْ لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً وَأَنَا صَابِرٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا صبرت) أي هنالك (إجلالا لحديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم