أعلم أن قوله وقال أصحابي حديث آخر وقد أخرجه الدارقطني في الفضائل وابن عبد البر من طريقه من حديث جابر وقال هذا إسناد لا تقوم به حجة ورواه عبد بن حميد في مسنده عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال البزار منكر لا يصح ورواه ابن عدي في الكامل بإسناده عن نافع عن ابن عمر بلفظ فأيهم أخذتم بقوله بدل اقتديتم وإسناده ضعيف ورواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه ومن وجه آخر مرسلا وقال متنه مشهور وأسانيده ضعيفة قال الحلبي وكان ينبغي للقاضي أن لا يذكره بصيغة جزم لما عرف عند أهل الصناعة وقد سبق له مثله مرارا أقول يحتمل إنه ثبت بإسناد عنده أو حمل كثرة الطرق على ترقيه من الضعف إلى الحسن بناء على حسن ظنه مع أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال والله أعلم بحقيقة الأحوال (وعن أنس رضي الله تعالى عنه) في رواية البزار وأبي يعلى (قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مثل أصحابي) زاد البغوي في المصابيح وشرح السنة في أمتي (كمثل الملح في الطّعام) بجامع الصلاح إذ بهم صلاح الدنيا وفلاح العقبى (لا يصلح الطّعام إلّا به) أي بالملح بحسب الحاجة إلى القدر المصلح له قال الحسن قد ذهب ملحنا فكيف نصلح (وقال) عليه السلام (الله الله) بنصبهما أي اتقوه أو راعوه (في أصحابي) أي خاصة (لا تتّخذوهم غرضا) أي هدفا للطعن (بعدي) أي بعد موتي أو بعد غيبتي لأني أقوم لهم بنصرتي في حياتي وحضرتي (فمن أحبّهم فبحبّي) أي إياهم أو فبحبهم لي (أحبّهم) ويؤيده قوله (ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم) وهذا بحسب الاعتقاد والأحوال وأما باعتبار الأقوال والأفعال فكما بينه بقوله (ومن آذاهم) أي باللسان أو الأركان (فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) أي فكأنه آذاه (ومن آذى الله يوشك) بكسر الشين وتفتح أي يقرب (أن يأخذه) أي بأخذ شديد ويؤاخذه بعذاب أكيد ولعل الحديث مقتبس من مجموع قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه مسلم وغيره (لا تسبّوا أصحابي) قال النووي هو من أكبر الفواحش وسيأتي عن المصنف أنه عده من الكبائر ويعزر عند الجمهور ويقتل عند بعض المالكية وكذا عند بعض الحنفية ففي بعض كتبهم إن سب الشيخين كفر (فلو أنفق أحدكم) أي كل يوم كما رواه عبد بن حميد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه مرفوعا لو أنفق أحدكم كل يوم (مثل أحد) أي مالا قدره أو إنفاقا مثله (ذهبا) تمييز (ما بلغ) أي جميعه (مدّ أحدهم) وفي نسخة صحيحة مد أصحابي وهو بضم ميم وتشديد دال وخص بالذكر لأنه أقل ما كانوا يتصدقون به وأصله كان الرجل يمد كفيه فيملأهما طعاما أي قدر مد طعام أحدهم مما أنفقوا في محلهم (ولا نصيفه) لما قارنه من صدق نية وصفاء طوية مع شدة الحاجة وكمال القلة وقد ورد سبق درهم مائة ألف درهم والنصيف بفتح فكسر بمعنى النصف بتثليث النون كما يقال