وزيد بن الحباب ويزيد بن هارون ثلاثتهم عن نوح بن قيس حدثنا سلامة الكندي أن عليا كان يعلم الناس (اللهمّ داحي المدحوّات) بتشديد الواو وفي رواية المدحيات بتشديد التحتية فيهما اسما مفعول من دحا يدحو ويدحي أي يا باسط المبسوطات كالأرض إذ خلقها ربوة ثم دحاها أي بسطها ومدها مد الأديم قال تعالى وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ وفي الآيتين رد على أهل الهيئة القائلة بغير هذه الكيفية من الكرة المخالفة للأدلة النقلية بمجرد التوهمات العقلية (وبارىء المسموكات) من برأ الشيء أي خلقه بريئا من التفاوت قال تعالى ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ وفي قراءة من تفوت أي نقصان وزيادة وقصور في مادة أي خالق المرفوعات من سمكه إذا رفعه كالسموات فإنها مرتفعة عن السفليات مسيرة خمسمائة عام كما ثبت في الروايات وروي سامك المسموكات أي رافعها وما أحسن المناسبة بين الفقرتين فإن معنى الأولى واضعها وخافضها كما قال تعالى وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ وفي العبارة ترق في الكلام وفيه إيماء إلى أنه سبحانه وتعالى يرفع قوما ويضع آخرين كما تقتضيه اسماؤه الجمالية وصفاته الجلالية (اجعل شرائف صلواتك) أي خيارها وارفعها قدرا وأتمها نورا قيل للأعمش لم لم تستكثر من الرواية عن الشعبي فقال كان يحقرني كنت آتي مع إبراهيم النخعي فيرحب به ويقول لي اقعد ثمه أيها العبد ثم يقول
لا يرفع العبد فوق سنته ... ما دام فينا بأرضنا شرف
ولعله كان يعمل بما روي نزل الناس على قدر منازلهم فلا يكون تحقيرا له (ونوامي بركاتك) الإضافة فيها وفيما قبلها من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي بركاتك النامية الزاكية الدائمة في الزيادة الكافية الوافية (ورأفة تحنّنك) أي اجعل رأفة تنشأ من تحيتك والرأفة أشد الرحمة وفي نسخة تحننك بتاء فوقية فمهملة فنونين أي رحمتك ومنه قوله تعالى وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا أي واجعل أشد تعطفك وترحمك (على محمد عبدك ورسولك) أي الجامع لوظيفة العبودية والقيام بحق الربوبية (الفاتح لما أغلق) بصيغة المجهول أي المبين لمشكلات الأمور قَالَ تَعَالَى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فهو فاتح لما عسر من أبواب كنوز المبرات وأسباب رموز المسرات إذ قد فتح بإقامة الحجة وإشاعة المحجة أبواب الهداية وأسباب الرعاية المانعة عن الوقوع في الغواية وفي الحديث أوتيت مفاتيح خزائن السموات والأرض وكأنه أراد ما سهله الله تعالى له ولأمته من فتح البلاد وإخراج كنوزها للعباد وفي حديث آخر أوتيت مفاتيح الكلام أي ما منحه الله تعالى من البلاغة والبراعة والفصاحة والنصاعة بالوصول إلى حقائق المباني ودقائق المعاني مما أغلق على غيره من الخلق أجمعين (والخاتم) بكسر التاء وفتحها (لما سبق) أي من النبين والمرسلين وفيه تلويح إلى قوله تعالى وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ولا يبعد أن يراد بالفاتح الإسناد المجازي مشيرا إلى أنه الذي أفتتح به الوجودات وابتدىء به الكائنات كما قال أول ما خلق الله روحي أو نوري أو لأنه كالعلة الغائية في ظهور