للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجال بعد خطاب النساء فيكون الحكم الثاني في حقهم ناسخا لا في حقهن ويؤيده التعليل في حقهن بأنهن قليلات الصبر كثيرات الجزع والفزع لا يملكن أنفسهن من الصياح والنياح وأما التعليل في حقهم فلأن أمواتهم في صدر الإسلام كانوا كفرة فمنعوا عن زيارة قبورهم فلما كثر أموات المسلمين أجازهم زيارتهم لما فيها من العبرة لأهل الحياة ومنفعة الدعوة للأموات فهذا حديث اجتمع فيه الناسخ والمنسوخ (وقوله) أي ويرده أيضا قوله فيما مر عن ابن عمر وغيره مرفوعا (من زار قبري) أي وجبت له شفاعتي أو حلت له شفاعتي (فقد أطلق اسم الزّيارة) أي فلم تكن الكراهة لاسم الزيارة (وقيل) أي في توجيه كلام مالك (لأنّ ذلك لما قيل) أي لقول بعضهم (إنّ الزّائر أفضل من المزور وهذا) أي الاستدلال (أيضا ليس بشيء) أي معتد به وفي نسخة ليس ببين أي بظاهر فلم يلتفت إليه (إذ ليس كلّ زائر بهذه الصّفة) بل الغالب عكسه في العرب والعادة (وليس هذا) أي هذا القول (عموما) أي عاما في كل زائر (وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْجَنَّةِ زِيَارَتُهُمْ لربّهم ولم يمنع هذا اللّفظ) أي إطلاق لفظ الزيارة (في حقّه تعالى) ففي حق نبيه عليه السلام بالأولى فلا يصح الاستدلال بهذا المبنى على هذا المعنى وزيد في بعض النسخ هنا (وقال أبو عمران) أي الفاسي وفي كثير من النسخ أبو عمر وهو ابن عبد البر (إِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُقَالَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وزرنا قبر النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بَعْضُهُمْ لبعض) أي فيما بينهم (فكره تسوية النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم مع النّاس) أي عمومهم (بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَحَبَّ أَنْ يُخَصَّ بِأَنْ يُقَالَ سلّمنا على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) وفيه أن السلام أيضا يستعمل عاما فلا يكون التعليل تاما (وَأَيْضًا فَإِنَّ الزِّيَارَةَ مُبَاحَةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَوَاجِبٌ شدّ الرحال) وفي نسخة شد المطيّ (إلى قبره صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ بِالْوُجُوبِ هُنَا وُجُوبَ نَدْبٍ وترغيب وتأكيد لا وجوب فرض) أي موجب تهديد وفيه أن لفظ الزيارة قضية لغوية كالحج والعمرة والصلاة والزكاة وأمثالها والوجوب والندب والنافلة من الأحكام الشرعية (والأولى عندي أن منعه) أي منع هذا القول هنالك (وكراهة مالك له) أي لذلك (لإضافته إلى قبر النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأنه) بكسر الهمزة وفتحها (لو قال زرنا النبيّ لم يكرهه) أي مالك ومن تبعه وإنما ذلك (لقوله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا) أي كالوثن وهو الصنم (يعبد بعدي) أي بعد موتي (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مساجد) أي يسجدون لها كما يسجدون للأوثان كما فعله بعض النصّارى (فحمى) أي صان مالك (إضافة هذا اللّفظ) أي لفظ الزيارة (إلى القبر والتّشبّه بفعل أولئك) أي العامة (قطعا للذّريعة) أي الوسيلة (وحسما) أي قطعا (للباب) أي لفتح هذا الباب (والله أعلم) أي بالصواب وفيه أنه قد ورد بروايات متعددة التصريح بهذه اللفظة فلا يلتفت إلى هذه العلة منها ما رواه أبو داود الطيالسي من زار قبري كنت له شفيعا أو شهيدا ومنها حديث علي مرفوعا من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن لم يزر قبري فقد جفاني وجاء عنه موقوفا من زار قبر

<<  <  ج: ص:  >  >>