أنا أطلب من ربي وربكم حتى يمنحكم فارقليط أي كاشفا للخفيات فيكون معكم إلى الأبد وفيه فارقليط روح القدس الذي يرسله ربي باسمي أي بالنبوة هو يعلمكم ويمنحكم جميع الأشياء ويذكركم ما قلت لكم وقد أخبرتكم بهذا قبل أن يكون فإذا كان فآمنوا به (وحكي عن أبي عبيدة) وهو معمر بن المثنى من أكابر أئمة اللغة وله كتب كثيرة في الصفات والغريب وأيام العرب ووقائعها وكان الغالب عليه الشعر والغريب وأخبار العرب توفي سنة عشر ومائتين وقد قارب المائة وله تفسير حديث في الزكاة وكان أبو عبيد القاسم بن سلام يوثقه ويكثر الرواية عنه في كتبه (أنّ المراد) أي المفاد من الآية (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ) أي حاصل آنسته (من غيرك) أي من جانب غيرك (فيما أنزلنا) إليك من الحق والصواب فاسأل الذين يقرؤون الكتاب يخبروك بحقيقة هذا الباب (فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) أي يئسوا من إيمان أممهم أو من النصر في الدنيا عليهم (وَظَنُّوا) أي الرسل (أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا)[يوسف: ١١٠] بصيغة المجهول (على قراءة التّخفيف) أي كما قرأ به الكوفيون لأن ظاهرها ظنهم أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر مع نزاهتهم من أن يظنون بربهم ذلك الأمر لأنه سبحانه لا يخلف وعده رسله (قُلْنَا الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها معاذ الله) أي حاشاه واستجير بالله (أن تظنّ ذلك) أي الظن المذكور (الرّسل بربّها) كان الأولى بربهم وكأنه أراد جماعة الرسل (وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ لَمَّا اسْتَيْأَسُوا) أي من النصر على مكذبيهم وطالت مدة إمهالهم (ظنّوا أنّ من وعدهم النّصر) أي به (من أتباعهم) بيان لمن (كذبوهم) بتخفيف الذال والضمير الأول للموعودين من أتباع الرسل وهم المؤمنون والضمير الثاني للرسل أي اخلفوهم ما وعدوهم من نصرهم على عدوهم وتوهموا من أن الله تعالى اخلف رسلهم (وعلى هذا) أي مقول عائشة (أكثر المفسّرين) فعلى هذا ضمير ظنوا راجع إلى الرسل (وقيل إن ضمير ظَنُّوا عَائِدٌ عَلَى الْأَتْبَاعِ وَالْأُمَمِ لَا عَلَى الرّسل) الواو بمعنى أو فالمعنى أن أتباعهم ظنوا إذ لم يروا لوعدهم النصر نتيجة وأثرا ظاهرا بسبب تراخيه عنهم انهم قد كذبوا فيها اخبروا به قومهم من انهم ينصرون عليهم أو المعنى أن أممهم المكذبين لهم ظنوا أنهم كذبوا أي كذبتهم رسلهم في قولهم إنهم منتصرون عليهم (وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ جُبَيْرٍ) أي من التابعين (وجماعة من العلماء) أي المتقدمين والمتأخرين (وبهذا المعنى قرأ مجاهد) أي شاذة (كذبوا بالفتح) أي بفتح الكاف والذال والتخفيف والمعنى أن الأمم ظنوا أن رسلهم كذبوا في قولهم بالنصر عليهم (فلا تشغل) بفتح التاء والغين وفي نسخة بضم أوله وكسر ثالثه إلا أنه لغة رديئة (بالك) أي قلبك (من شاذّ التّفسير بسواه) أي بغير ما ذكرناه من قول عائشة وابن عباس وأمثالهما ولا يتوهم أن الرسل ظنوا به سبحانه أنه أخلفهم ما وعدهم من نصرهم على عدوهم (ممّا لا يليق بمنصب العلماء) بكسر الصاد أي مقامهم ومرتبتهم (فكيف بالأنبياء) فما سبق من نسخة الظن المذموم بالاتباع إما أن يحمل على مجرد الخواطر التي لا تدخل