يدر أن شأنه فيه فنون (وعلى هذا) أي على قوله لأسمع صوتا الحديث (يتأوّل) بصيغة المجهول (لَوْ صَحَّ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ) أي روايتها (إنّ الأبعد شاعر أو مجنون) مقول قوله الذي تنازعه الفعلان قبله واعمل الأول أي يتأول قوله بذلك لخديجة إن صح يحمله على أنه كان قبل لقاء الملك وإعلام الله تعالى له أنه رسول ولم يكن معناه الشك وعبر بالأبعد عن نفسه الأسعد تحاشيا من أن يقال له شاعر أو مجنون (وألفاظا) أي وإن في هذه الأحاديث ألفاظا ويروى وألفاظها (يُفْهَمُ مِنْهَا مَعَانِي الشَّكِّ فِي تَصْحِيحِ مَا رآه) أي من الضوء وسمعه من الصوت (وأنه) أي في قوله ذلك (كَانَ كُلُّهُ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ وَقَبْلَ لِقَاءِ الملك له وإعلام الله تعالى له أنه رسوله) أي مما ينفي عنه الشك فيما آتاه الله تعالى واختصه به من المنح الإلهية ما لم يؤته سواه (فكيف) أي لا يكون ذلك في ابتداء أمره (وبعض هذه الألفاظ) أي التي نسب صدورها إليه صلى الله تعالى عليه وسلم (لا تصحّ طرقها) أي أسانيدها لكون بعض من فيها متهما أو مجهولا (وأمّا بعد إعلام الله تعالى له) أي بأنه رسوله (ولقائه الملك) أي وبعد ملاقاته وتحقق مخاطباته (فلا يصحّ) أي بأن يصدر عنه عليه الصلاة والسلام (فيه ريب) أي شبهة ومرية (ولا يجوز عليه شكّ) أي تردد (فيما ألقى إليه) من المعارف الربانية والعوارف السبحانية (وقد روى ابن إسحاق عن شيوخه) أي بأسانيدهم (أنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يرقى) بصيغة المجهول أي يعوذ بالعوذ التي يرقى بها من ألمت به حمى ونحوها (من العين) أي من جهة إصابة العين (قبل أن ينزل عليه) أي الوحي أو القرآن وهو بصيغة الفاعل أو المفعول مخففا أو مشددا ويؤيد الثاني (فلما نزل عليه القرآن) ومنه قوله تعالى وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ (أصابه نحو ما كان يصيبه) أي قبل ذلك (فقالت له خديجة أوجّه) بتشديد الجيم المكسورة أي أرسل (إليك من يرقيك) بفتح الياء وكسر القاف (قال أمّا الآن) أي بعد نزول القرآن (فلا) أي فلا حاجة لي به اكتفاء بربه وكتابه إذ هو هدى وشفاء لقلبه واعلم أنه قد وردت أحاديث كثيرة بجواز الرقى وكذا في النهي عنها وجمع بينهما بأن الجائز منها ما كان بلسان عربي مما يعرف معناه كأسماء الله تعالى وصفاته وسور كلامه وآياته ومن ثمه قال عليه الصلاة والسلام اعرضوا على رقاكم قال جابر فعرضناها عليه فقال لا بأس بها إنما هي من مواثيق الجن فكأنه عليه الصلاة والسلام خشي أن يكون فيها مما يقال ويعتقد من الشرك في زمن الجاهلية وأن المنهي عنه منها ما لم يكن كذلك أو أن يعتقد أنها نافعة بنفسها كما أشار إليه صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله ما توكل من استرقى أو حق توكله والحاصل أن تركها مع التوكل أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث من يدخل الجنة بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون (وحديث خديجة رضي الله تعالى عنها) أي الذي رواه ابن إسحاق والبيهقي عن فاطمة بنت الحسين أي أبو نعيم في الدلائل موصولا من طريق أم سلمة عن خديجة (واختبارها) أي امتحان خديجة (أمر جبريل عليه السلام) أي تحقق أمره (بكشف