والسلام من جريان الكفر على قلبه) أي باعتقاد جنانه (أو لسانه) أي جريانه بموجب عصيانه (لا عمدا ولا سهوا) تأكيدا لما أفاده ما قبله من نفي جريان الكفر عليه مطلقا (أو أن يتشبّه) أي أو من أن يتلبس (عليه ما يلقيه الملك) أي يوحيه إليه من ربه (ممّا يلقي الشّيطان) ويوسوس إليه من نكره ويروى مما يلقيه الشيطان (أو يكون) أي أو من أن يكون (للشّيطان عليه سبيل) أي بالتسلط وقد قال تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (أو أن يتقوّل) أي أو من أن يفتري (على الله تعالى) وهو لا يَتَقَوَّلَ عَلَى اللَّهِ (لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا ما لم ينزل عليه) بصيغة المجهول أو المعروف (وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ [الحاقة: ٤٤] ) أي افترى علينا مما لم يوح إليه بالفرض والتقدير (الآية) أي لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين وقد سبق ما يتعلق بمعناه وقيل في تحقيق مبناه إن من صلة أي لأخذناه والأولى أن يقال فيه تضمين والتقدير لانتقمنا منه باليمين أي بالقوة القاهرة والقدرة الباهرة؛ (وقال) أي الله سبحانه وتعالى (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا) أي قاربت تميل أدنى ميل (إِذاً) أي حينئذ (لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ [الإسراء: ٧٥] ) أي عذابا مضاعفا في الدنيا وبعد الوفاة (الآية) أي ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً أي معينا يكون دافعا عنا العقوبة؛ (ووجه ثان) لتوهين هذه القضية (وهو استحالة هذه القصّة نظرا) أي من جهة دلالة العقل لعصمته من مدح الآلهة وإثبات شفاعتها (وعرفا) أي من جهة استبعاد العادة أن يصدر عن الأنبياء مدح الشرك مع ذمهم له وحثهم على التوحيد على وجه التأكيد (وذلك) أي بيانه (أنّ هذا الكلام) أي المنقول في هذا المقام (لو كان) أي بالفرض والتقدير (صحيحا كما روي) أي كما نقلوه صريحا (لكان بعيد الالتئام) بل عديم النظام (لكونه متناقض الأقسام) أي متباين المرام (ممتزج المدح بالذّمّ) في الشرك بأن ذم الكفر في آيات بينات ومدح في هذه الآيات المخترعات مع أنه خلاف إجماع الأنبياء والمرسلين في جميع الحالات (متخاذل التّأليف) بالخاء والذال المعجمتين متفاعل من الخذلان وهو ترك النصرة أي متخالفة في ارتباط المرام (والنّظم) أي ونظم الكلام وقد قال تعالى أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً فمعناه أنه من عند الله ولم يجدوا فيه اختلاف كثيرا ولا يسيرا (ولمّا) بفتح لام وتخفيف ميم (كان النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي من أكابر الصحابة (وصناديد المشركين) أي رؤسائهم في مكة من قريش وغيرهم (ممّن يخفى عليه ذلك وهذا) أي ومثله (لا يخفى على أدنى متأمّل) أي من أفراد الموحدين (فكيف ممن) وفي نسخة بمن (رجح) بفتح الجيم المخففة أي غلب (حمله) أي تأنيه وتثبته في أمر الدين أو عقله (واتّسع في باب البيان) أي بيان المرام (ومعرفة فصيح الكلام علمه) بقوة فطرة وقدرة فطنة، (ووجه ثالث) في توهين هذه القصة (أنّه) أي الشأن (قَدْ عُلِمَ مِنْ عَادَةِ الْمُنَافِقِينَ وَمُعَانِدِي الْمُشْرِكِينَ) وفي نسخة ومعاندة وفي أخرى ومعاداة الْمُشْرِكِينَ (وَضَعَفَةِ الْقُلُوبِ وَالْجَهَلَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ