للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

....................................


= ورحمة الله وبركاته" فلا معنى لإنكار الدعاء له بالرحمة بعد تعليمه إيّانا الدعاء بها له. قال الحافظ ابن حجر في "أماليه": قد سبق إلى إنكار ذلك من الفقهاء الشافعية: الصيدلاني، وحكاهُ عند الرافعي ولم يتعقبه. ومن المحدثين المالكية أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" وليس يجيد منهم، فإنها وردت من حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث بريدة:
فحديث أبي هريرة أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" [رقم: ٦٤١] بسند عنه صلى الله عليه وسلم، قال: "من قال: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وترحم على محمد وعلى آل محمد، كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، شهدت له يوم القيامة بالشهادة، وشفعت له".
وحديث ابن عباس أخرجهُ أبو جعفر الطبري بسند ضعيف عنه، قال: قالوا: يا رسول الله! قد علمنا السلام عليك، فيكف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيدًا".
وحديث ابن مسعود وبريدة مرا.
وروى أبو بكر بن أبي عاصم بسند ضعيف؛ عن أبي هريرة قال: يا رسول الله! أمرنا الله بالصلاة، فكيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ؛ كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وارحم محمدًا وآل محمدٍ كما رحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، والسلامُ كما قد علمتُم".
وروي ابن ماجه [رقم: ٩٠٦] وغيرُه، بسندٍ حسن؛ عن ابن مسعودٍ، قال: إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرضُ عليه. قالوا له: فعلمنا. قال: قولوا: اللهم اجعل فضائل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ... الحديث. ورواه بعضهم عن ابن مسعود مرفوعًا.
وروى أبو القاسم البغوي في "فوائده" عن ثوير مولى بني هاشم، قال: قلت لابن عمر: كيف الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: اللهم اجعل ... فذكر نحوه.
فهذه الأحاديث يشد بعضها بعضًا، وأقواها أولها، ويدل مجموعها على أن للزيادة أصلاً.
وأما حديثُ علي: "عدهن في يدي" فاعتقادي أنه موضوع. انتهى كلام الحافظ ابن حجر.
وأقول: الذي دلت عليه هذه الأحاديثُ جوازُ الدعاء له بالرحمة على سبيل التبعية لذكر الصلاة والسلام، كما في سلام التشهد على وجه الإطناب والحكاية، وأما على وجه الإفراد، كأن يُقال: النبي رحمهُ الله! فلا شك في منعه، وهو خلاف الأدب، وخلاف المأمور به عند ذكره من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ولا ورد ما يدل عليه البتة، ورب شيء يجوز تبعًا ولا يجوز استقلالًا، ونظيرهُ هنا الصلاة على غير الأنبياء؛ فإنها تجوز على وجه التبعية لهم، وتمتنع على وجه الاستقلال؛ والله أعلم.

<<  <   >  >>