١٩٢٧- اعلم أن هذا الباب من أهمّ الأبوابِ، فإنهُ مما يكثرُ استعمالهُ وتعمُ به البلوى، فينبغي لنا نعتني بتحقيقه، وينبغي للواقف عليه أن يتأملَه ويعملَ بهِ، وقد قدمنا ما في الكذب من التحريم الغليظ [الباب رقم: ٥٦٨] وما في إطلاق اللسان من الخطر، وهذا البابُ طريقٌ إلى السلامة من ذلك.
واعلم أن التوريةَ والتعريضَ معناهُما: أن تُطلقِ لفظاً هُو ظاهرٌ في معنى، وتريدُ به معنىً آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنهُ خلافُ ظاهره، وهذا ضربٌ من التغرير والخداع.
قال العلماءُ رحمهم الله: فإن دعتِ إلى ذلك مصلحةٌ شرعيةٌ راجحةٌ على خداعِ المخاطب، أو حاجة لا مندوحةَ عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيءٌ من ذلك فهو مكروهٌ، وليس بحرامٍ، إلا أن يُتوصَل به إلى أخذ باطلٍ، أو دفع حقٌ، فيصيرُ حينئذٍ حراماً، هذا ضابطُ الباب.
فأما الآثارُ الواردةُ فيهِ، فقد جاءَ من الأثارِ ما يُبيحهُ، وما لا يبيحهُ، وهي محمولةٌ على هذا التفصيل الذي ذكرناهُ.
١٩٢٨- فمما جاء في المنع: ما روينا في "سنن أبي داود"[رقم: ٤٩٧١] ، بإسناد فيه ضعفٌ، لَكِنْ لم يُضَعِّفه أبو داود، فيقتضي أن يكون حسناً عندهُ كما سبق بيانه [رقم: ٧٥] ، عن سفيان بن أسيدٍ -بفتح الهمزة- رضي الله عنهُ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "كَبُرَتْ خِيانَةً أنْ تُحدث