وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها. فهذا حديثٌ صريحٌ في إباحة بعض الكذب للمصلحة، وقد ضبط العلماءُ ما يباحُ منهُ.
١٩٢١- وأحسنُ ما رأيتهُ في ضبطهِ، ما ذكرهُ الإمامُ أو حامدٍ الغزالي رحمه الله في الإحياء [٣/ ١٣٧] فقال: الكلامُ وسيلةٌ إلى المقاصد، فكلُّ مقصودٍ محمودٍ يمكنُ التوصلُ إليه بالصدق والكذب جميعاً، فالكذبُ فيه حرامٌ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكنَ التوصل إليه بالكذب، ولم يمكن بالصدق، فالكذبُ فيه مباحٌ إن كان تحصيلُ ذلك المقصود مُباحًا، وواجبٌ إن كان المقصود واجباً؛ فإذا اختفى مسلمٌ من ظالمٍ وسألَ عنهُ، وجبَ الكذبُ بإخفائه، وكذا لو كان عندهُ أو عندَ غيره وديعةٌ، وسأل عنها ظالمٌ يُريدُ أخذَها، وجبَ عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبرَه بوديعةٍ عندَه، فأخذَها الظالمُ قهراً، وجبَ ضمانُها على المُودع المُخبر، ولو استحلفهُ عليها لزمهُ أن يَحلفَ ويورِّي في يمينه، فإن حلفَ ولم يورِ حنثَ على الأصحّ، وقيل: لا يحنثُ، وكذلك لو كان مقصودُ حربٍ، أو إصلاحِ ذاتِ البين، أو استمالةُ قلبِ المجني عليهِ في العفوِ عن الجناية لا يحصل إلا بكذب، فالكذبُ ليس بحرامٍ؛ وهذا إذا لم يحصُل الغرضُ إلا بالكذب، والاحتياطُ في هذا كلهِ أن يورّي؛ ومعنى التوريةِ: أن يقصدَ بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هُو كاذباً بالنسبة إليه، وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ، ولو لم يقصد هذا بل أطلق عبارةَ الكذب فليس بحرامٍ في هذا الموضع.
١٩٢٢- قال أبو حامد الغزالي: وكذلك كل ما ارتبط به غرضٌ مقصودٌ صحيح له أو لغيره، فالذي لهُ: مثلُ أن يأخذهُ ظالمٌ ويسألهُ عن مالهِ ليأخذهُ، فله أن ينكرهُ، أو يسألهُ السلطانُ عن فاحشةٍ بينهُ وبينَ الله تعالى ارتكبَها، فله أن ينكرَها، ويقولُ: ما زنيتُ، أو ما شربتُ مثلاً؛ وقد