للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الخامس: أن الشرط لا ينفك ضرورة من أحد أربعة أمور لا خامس لها: إما أن يكون فيه إباحة لما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، أو التزام إسقاط ما أوجبه الله، أو التزام إيجاب ما لم يوجبه، وكل هذا عظيم لا يحل (١).

نوقش: بأن هناك قسمًا خامسًا، وهو ما أباح الله -عز وجل- للمكلف من تنويع أحكامه بالأسباب التي ملكه إياها، فيباشر من الأسباب ما يحله له بعد أن كان حرامًا عليه، أو يحرمه عليه بعد أن كان حلالًا له، أو يوجبه بعد أن لم يكن واجبًا، أو يسقط وجوبه بعد وجوبه، وليس في ذلك تغيير لأحكامه، بل كل ذلك من أحكامه، فكما أن نكاح المرأة يحل له ما كان حرامًا عليه قبله، وطلاقها يحرمها عليه ويسقط عنه ما كان واجبًا عليه من حقوقها، كذلك التزامه بالشرط، فإذا ملك تغيير الحكم بالعقد ملكه بالشرط الذي هو تابع له (٢)، فـ"الشرط يرفع موجب الاستصحاب لكن لا يرفع ما أوجبه كلام الشارع" (٣).

الترجيح: بعد عرض الأقوال، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول، القائل بصحة الشروط إلا ما دل الدليل على فساده؛ وذلك لقوة أدلته، وضعف أدلة القولين الآخرين أمام المناقشة التي وردت عليهما، وأن الشروط كالعقود، ولم يصح دليل في التفريق بينها، فإذا كان الأصل في العقود الصحة إلا ما دل الدليل على منعه فالشروط مثلها، والناس يحتاجون إليها في عقودهم، وفي منعهم


(١) انظر: الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم ٥/ ١٣ - ١٤.
(٢) انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ١/ ٢٦٢ - ٢٦٣.
(٣) القواعد النورانية، لابن تيمية، ص ٢٧٥.

<<  <   >  >>