للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتول أن يقضي إلا على الظاهر، والباطن يأتيه وهو يعرف من الدلائل بتوفيق الله إياه ما لا يعرف غيره فغيره أولى أن لا يحكم إلا على الظاهر" (١).

يناقش: بأن منع الحيل لا يعني إفساد العقود التي ظهرت صحتها، بل لا يفسد منها إلا ما كان ظاهر الفساد، أو كان المقصد الفاسد فيها ظاهرًا قبل التقابض، أما بعد التقابض فلو تبين أن المعاملة ربوية، وأن المتعامل بها ممن يبيح الحيل، فلا تُنقض، قال ابن تيمية: " كل عقد اعتقد المسلم صحته بتأويل من اجتهاد أو تقرير، مثل المعاملات الربوية التي يبيحها مجوزو الحيل، ومثل بيع النبيذ المتنازع فيه عند من يعتقد صحته، ومثل بيوع الغرر المنهي عنها عند من يجوز بعضها، فإن هذه العقود إذا حصل فيها التقابض مع اعتقاد الصحة لم تُنقض بعد ذلك، لا بحكم ولا برجوع عن ذلك الاجتهاد" (٢). ومعاملة الناس على الظاهر لا يعني جواز ما أخفوا في الباطن، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قبل من المنافقين ظواهرهم مع أنهم يرتكبون كفرًا في بواطنهم، ومنع الحيل عن المسلم لكي يتوافق ظاهره مع باطنه، وجوازها يساعد على التناقض بين الظاهر والباطن.

الترجيح: بعد عرض القولين وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول، القائل بتحريم الحيل؛ وذلك لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني أمام المناقشة التي وردت عليها، ومع أن الأصل في الحيل المنع، إلا أنه إذا كان في الحيلة تحقيق مصلحة أكبر من مفسدة الحيلة فتجوز في هذه الحالة تغليبًا لجانب المصلحة، وهذا الذي يُفهم من كلام الشاطبي وابن عاشور في الحيل، أن الأصل فيها


(١) الأم، للشافعي ٧/ ٨٦.
(٢) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٩/ ٤١٢ - ٤١٣.

<<  <   >  >>