للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نقل الشافعي في الأم محاورة رجل له عن فروع أعمل الشافعي فيها الذريعة، وذكر الشافعي أن دليله القياس، ثم لما سأله الرجل: أفتقول بالذريعة؟ قال: لا. "ولا معنى في الذريعة، إنما المعنى في الاستدلال بالخبر اللازم، أو القياس عليه، أو المعقول" (١)، فالشافعي يُعمل الذرائع لكنه لا يجعلها دليلًا بل يستدل بأدلة أخرى؛ كالخبر، والقياس، والمعقول، والفقهاء الذين يستدلون بالذريعة لا تخرج أدلتهم عن هذه الأدلة التي ذكرها الشافعي، إلا أنهم، بدلًا من أن يقولوا في كل وسيلة تؤول لمحرم بأن الخبر، أو القياس، أو العقل، دلّ على أن للوسيلة حكم ما تؤول إليه، يقتصرون على النهي "سدًا للذريعة". فالنتيجة واحدة وهي إعمال الذرائع عند الشافعية وعند غيرهم، والتطبيقات الفقهية عند المذاهب الفقهية تدل على اعتبارهم للذرائع، وإن اختلفوا في المصطلح فلا مشاحة في الاصطلاح.

لقد تبين"أن قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة" (٢)، والخلاف بين العلماء إنما هو اختلاف في المناط الذي يتحقق فيه التذرع (٣)؛ قال القرافي: "فليس سد الذرائع خاصًا بمالك، بل قال بها هو أكثر من غيره، وأصل سدها مجمع عليه" (٤).

والأدلة على اعتبار الذرائع كثيرة، وقد ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين تسعة وتسعين دليلًا على المنع من فعل ما يؤدي إلى الحرام، ولو كان جائزًا في نفسه (٥)،


(١) الأم، للشافعي ٣/ ١٢٤.
(٢) الموافقات، للشاطبي ٥/ ١٨٥.
(٣) تعليق الشيخ عبدالله دراز على الموافقات، للشاطبي ٥/ ١٨٥.
(٤) الفروق، للقرافي ٢/ ٣٣.
(٥) انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم ٣/ ١١٠ - ١٢٦.

<<  <   >  >>