للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اجتنابه مع الحاجة إليه، أو لا يمكن اجتنابه إلا بمشقة، أي هو الغرر الذي يتعذر أو يتعسر اجتنابه" (١).

وأول من انتقد هذا الاختيار الدكتور رفيق المصري نفسه؛ حيث قال: "لكن قد تنشأ مشكلة جديدة في مقابل المشكلة القديمة؛ إذ ننتقل من مشكلة البحث عن ضابط للكثرة والقلة إلى ضابط للعسر واليسر" (٢). فنعود للنتيجة الأولى، وهو أن الغرر ينقسم ثلاثة أقسام: غرر يمكن اجتنابه، وغرر لا يمكن اجتنابه، وغرر متردد بينهما.

والدكتور بهذا الضابط جعل الغرر اليسير بحكم الغرر الكثير، فلا يجوز إلا إذا دعت له الحاجة، ولم يمكن التحرز منه، مع أن العلماء فرقوا بين الغرر الكثير، والغرر اليسير؛ فالغرر الكثير هو الذي تجيزه الحاجة مع عدم إمكان التحرز منه إلا بمشقة، أما الغرر اليسير فيجوز وإن لم تدع له حاجة، أو أمكن التحرز منه؛ قال ابن رشد: "وذلك أنهم اتفقوا أن الغرر ينقسم بهذين القسمين-أي المؤثر، وغير المؤثر-، وأن غير المؤثر هو اليسير، أو الذي تدعو إليه الضرورة، أو ما جمع الأمرين" (٣)، والمقصود بالضرورة هنا الحاجة (٤).

قال النووي: "إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، أو كان الغرر حقيرًا، جاز البيع، وإلا فلا" (٥).


(١) انظر: فقه المعاملات المالية، لرفيق المصري، ص ١٤١.
(٢) الغرر عرض ومناقشة لكتاب الضرير، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ٢٠٠٩ - ٢٠١٠ م، ص ٣٨.
(٣) بداية المجتهد، لابن رشد ٣/ ١٧٥.
(٤) يقول الدكتور الصديق الضرير: "لاحظت أن كثيرًا من الفقهاء في حديثهم عن الغرر لا يفرقون بين الحاجة والضرورة، فيستعملون كلمة الضرورة في موضع الحاجة … وأود أن أسجل هنا أن أكثر الفقهاء التزامًا لاستعمال كلمة الحاجة هو الشيرازي من فقهاء الشافعية … كما أن فقهاء المالكية أكثر استعمالًا لكلمة الضرورة" الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص ٦٠١ - ٦٠٢.
(٥) المجموع، للنووي ٩/ ٢٥٨.

<<  <   >  >>