للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية: "وما يظن أن هذا نوع غرر فمثله جائز في غيره من البيوع؛ لأنه يسير، والحاجة داعية إليه، وكل واحد من هذين يبيح ذلك، فكيف إذا اجتمعا؟ " (١).

فهذه النصوص تبين أن الغرر اليسير معفو عنه، سواء أمكن التحرز منه أو لا، دعت له الحاجة أو لا، وقد سبق نقل إجماع العلماء على أن الغرر اليسير معفو عنه دون أن يضعوا له شروطًا (٢).

وبعد، فلن يكون هناك ضابط يحسم الخلاف بين العلماء، فالعبادات مع كثرة النصوص من القرآن والسنة، والقواعد والضوابط الفقهية فيها، إلا أن الخلاف في مسائلها كثير، وخير ضابط يمكن وضعه هو الذي يقلل من الخلاف قدر الإمكان، والضابط الذي يقلل الخلاف هنا هو وضع ضابط للغرر اليسير، فيكون هو الغرر غير المؤثر، وما عداه غرر مؤثر؛ فالأصل في الغرر أنه محرم وممنوع، وأن اليسير منه معفو عنه، فوضع ضابط للغرر اليسير ثم يكون الباقي على الأصل وهو المنع، يقلل من الخلاف؛ لأن الاستثناء قليل، وضبطه أسهل من ضبط الكثير، فعندما سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ما يلبس المحرم ذكر له الممنوعات وهي قليلة (٣) وترك الباقي على الأصل، فضبط القليل أسهل.


(١) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٠/ ٣٤٦.
(٢) انظر: موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين ٢/ ٢٢٢ - ٢٢٨.
(٣) نص الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلَا العَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا البَرَانِسَ، وَلَا الخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ» رواه البخاري، كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب، برقم ١٥٤٣، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه، برقم ١١٧٧.

<<  <   >  >>