للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالله لعن اليهود مع أنهم لم يأكلوا الشحوم؛ نظرًا إلى مخالفتهم للحكمة التي من أجلها شُرع الحكم (١)؛ قال ابن تيمية: " لعنهم الله سبحانه وتعالى على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على هذا الاستحلال؛ نظرًا إلى المقصود، فإن ما حكمه التحريم لا يختلف سواء كان جامدًا، أو مائعًا" (٢). وقال ابن القيم: "فإن الربا لم يكن حرامًا لصورته ولفظه، وإنما كان حرامًا لحقيقته التي امتاز بها عن حقيقة البيع؛ فتلك الحقيقة حيث وجدت وجد التحريم في أي صورة ركبت وبأي لفظ عبر عنها؛ فليس الشأن في الأسماء وصور العقود، وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها وما عقدت له" (٣).

وعلى هذا فإن من يراعي العلة مع منافاة الحكمة له حظ من فعل اليهود الذين لعنهم الله -عز وجل- على مخالفتهم للحكمة من التحريم، وإن لم يخالفوا علة التحريم (٤).

وكذلك لا ينبغي مراعاة الحكمة وحدها دون مراعاة العلة؛ لعدم انضباط الحكمة التي نهي عن بعض المعاملات لأجلها، ولما يترتب عليها من فوضى، ومخالفات شرعية.

وقد رأى الدكتور عبدالله السكاكر أن تضبط الهندسة المالية الإسلامية باعتبار الحكمة وحدها دون العلة، فقال: "إن اعتبار الحكمة التي حُرّمت بعض المعاملات لأجلها يمكن أن يكون ضابطًا جليًا لما يسمى بالهندسة المالية الإسلامية أو المخارج الشرعية في المعاملات المالية، فإن العلة يمكن الالتفاف عليها كما في بيع العينة، وكما فعل اليهود حين حُرمت عليهم الشحوم، أما الحكمة فيعسر الالتفاف عليها" (٥).


(١) انظر: الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية، لعبدالله السكاكر، ص ١٨.
(٢) الفتاوى الكبرى، لابن تيمية ٦/ ٣٥ - ٣٦.
(٣) إعلام الموقعين، لابن القيم ٣/ ٩٣.
(٤) انظر: الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية، لعبدالله السكاكر، ص ١٩.
(٥) المرجع السابق، ص ٢٠.

<<  <   >  >>