للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم: "فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم، ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها" (١). فـ" كل ما أمر الله به أمر به لحكمة، وما نهى عنه نهى لحكمة" (٢)؛ فالحكمة هي الباعثة على شرع الحكم (٣)، ولكن لعدم انضباط الحكمة أقيمت العلة مقامها (٤)، والعلة: هي الوصف الظاهر المنضبط (٥). ولأن العلة مرتبطة بالحكمة وهي مظنة تحقيقها (٦)، وفي ذلك حماية للشريعة من الفوضى (٧)، قال الشاطبي: "فنصب الشارع المظنة في موضع الحكمة؛ ضبطًا للقوانين الشرعية" (٨). ولو كانت الحكمة ظاهرة منضبطة في جميع الأحكام لكانت هي العلة التي يناط بها الحكم (٩).

فالهندسة المالية الإسلامية لابد أن تراعي العلة دون منافاة للحكمة، فمراعاة العلة مع منافاة الحكمة إبطال للأصل التي اعتبرت العلة من أجله، ففي المتفق عليه عن عمر -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا، فَبَاعُوهَا» (١٠).


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم ٣/ ١١.
(٢) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ١٤/ ١٤٤.
(٣) انظر: فصول البدائع في أصول الشرائع، للرومي ٢/ ٤٢١.
(٤) انظر: الأحكام، للآمدي ٣/ ٢٠٣ - ٢٠٤.
(٥) انظر: بيان المختصر، للأصفهاني ١/ ٤٠٤.
(٦) انظر: التقرير والتحبير، لابن أمير حاج ٣/ ١٤١.
(٧) انظر: نظرية المقاصد عند الشاطبي، للريسوني، ص ١٢.
(٨) الموافقات، للشاطبي ١/ ٣٩٦.
(٩) الحكمة عند الأصوليين، للسامرائي، ص ٩٤.
(١٠) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم ٣٤٦٠، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، برقم ١٥٨١.

<<  <   >  >>