للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي إحدى الحكم التي لأجلها نهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها؛ فعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ، قَالَ المُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ، أَصَابَهُ مُرَاضٌ، أَصَابَهُ قُشَامٌ، عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ: «فَإِمَّا لَا، فَلَا تَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرِ» كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ" رواه البخاري (١).

وقال ابن تيمية: "والأصل في العقود جميعها هو العدل … والشارع نهى عن الربا لما فيه من الظلم، وعن الميسر لما فيه من الظلم، والقرآن جاء بتحريم هذا وهذا، وكلاهما أكل المال بالباطل، وما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- من المعاملات: كبيع الغرر … هي داخلة إما في الربا وإما في الميسر" (٢).

وقال: "والأصل في ذلك: أن الله حرم في كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل … وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما: الربا، والميسر … والغرر: هو المجهول العاقبة، فإن بيعه من الميسر الذي هو القمار … فيفضي إلى مفسدة الميسر: التي هي إيقاع العداوة والبغضاء، مع ما فيه من أكل المال بالباطل الذي هو نوع من الظلم، ففي بيع الغرر ظلم وعداوة وبغضاء" (٣).

وهذه الحكم التي مُنع لأجلها الربا والغرر، لا تنضبط؛ فهناك صور من الربا تتخلف فيها الحكمة مع وجود العلة؛ كبعض صور ربا الفضل، كبيع صاع من البر الجيد بصاعين


(١) كتاب البيوع، باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، برقم ٢١٩٣.
(٢) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٠/ ٥١٠.
(٣) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٩/ ٢٢ - ٢٣.

<<  <   >  >>