للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالغزالي عرف المصلحة بأسبابها، بينما لجأ البوطي في تعريفه إلى حقيقة المصلحة -وهي المنفعة- لا إلى أسبابها (١)، لكن ابن تيمية ينتقد من حصر المصلحة بحفظ الأمور الخمسة، فيقول: "لكن بعض الناس يخص المصالح المرسلة بحفظ النفوس والأموال والأعراض والعقول والأديان، وليس كذلك، بل المصالح المرسلة في جلب المنافع وفي دفع المضار وما ذكروه من دفع المضار عن هذه الأمور الخمسة فهو أحد القسمين" (٢)؛ لذا يعرف ابن تيمية المصلحة بـ"أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة؛ وليس في الشرع ما ينفيه" (٣).

وكلام ابن تيمية في عدم حصر المصلحة بحفظ هذه الأمور الخمسة صحيح؛ فالمصلحة تشتمل على المصلحة المعتبرة التي نص الشرع عليها، وتشتمل على المصلحة المرسلة التي لا يوجد نص عليها، وهي محققة لمقصوده، وحصر المصلحة بهذه الأمور الخمسة يخرج قسم المصلحة المرسلة؛ فالشرع نص على اعتبار هذه الأمور الخمسة، وهناك كثير من المصالح المرسلة التي لم ينص الشرع عليها، وهي محققة لمقصوده، وتعريف المصلحة لابد أن يشتمل على القسمين جميعًا، وتعريف ابن تيمية للمصلحة تعريف للوسيلة الموصلة إليها، وليس تعريفًا لها، فنظر المجتهد وسيلة للتعرف على المصلحة، ويمكن أن يتم تعريف المصلحة عن طريق الدمج بين تعريف البوطي، وتعريف ابن تيمية، فيكون تعريف المصلحة: هي المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده، في أمور دينهم ودنياهم، وليس في الشرع ما ينفيها.


(١) رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص ٢٤٥ - ٢٤٦.
(٢) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ١١/ ٣٤٣.
(٣) المرجع السابق ١١/ ٣٤٢ - ٣٤٣.

<<  <   >  >>