للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحله الله، أو إباحة ما حرمه، أو إسقاط ما أوجبه، لا إباحة ما سكت عنه، وعفا عنه، بل تحريمه هو نفس تعدي حدوده" (١).

الدليل الثاني: عن عائشة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه (٢).

وجه الدلالة من الحديث: في الحديث بيان"بطلان كل عقد عقده الإنسان والتزمه إلا ما صح أن يكون عقدًا جاء النص أو الإجماع بإلزامه باسمه أو بإباحة التزامه بعينه" (٣)؛ وذلك أن ما لم يأت به النص أو الإجماع فليس عليه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو مردود على صاحبه.

يناقش: بأن الحديث يدل على رد العقود المخالفة لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك لمخالفتها أمره، أما العقود التي لم ينه عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يتطرق لها الحديث، فلا يصح الاحتجاج بهذا الحديث على ما أراد، بل إن في الحديث حجة لأصحاب القول الأول؛ وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يَرُد من العقود إلا العقود المخالفة لأمره، مما يدل على قبول ما عداها من العقود، وأن أصلها الجواز.

دليل القول الثالث: أن الصحة حكم شرعي يحتاج إلى دليل، وكذلك الفساد حكم شرعي يحتاج إلى دليل، فلا نقول عنه عقد صحيح أو عقد فاسد، "بل نقول: باق على حكم الأصل" (٤).


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم ١/ ٢٦٢.
(٢) رواه البخاري معلقًا في كتاب البيع، باب النجش، وموصولًا بلفظ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد»، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم ٢٦٩٧، ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، باللفظين، برقم ١٧١٨.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم ٥/ ٣٢.
(٤) الأشباه والنظائر، للسبكي ١/ ٢٥٣.

<<  <   >  >>