للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشروط عند الأئمة، ولعل مما جعل ابن تيمية يغلب جانب الشروط في نسبة الأقوال إلى الأئمة عند كلامه عن الأصل في العقود أن الشروط الباطلة تؤثر على العقود الصحيحة؛ قال وهو يناقش الأدلة: "العقود توجب مقتضياتها بالشرع. فيعتبر تغييرها تغييرًا لما أوجبه الشرع؛ بمنزلة تغيير العبادات. وهذا نكتة القاعدة؛ وهي أن العقود مشروعة على وجه، فاشتراط ما يخالف مقتضاها تغيير للمشروع" (١). فالعقد مشروع عند الجمهور وله مقتضى، والشرط الذي يخالف المقتضى يؤثر على مشروعية العقد.

الأمر الرابع: أن الشروط تنقسم إلى شروط يقتضيها العقد، وشروط تلائم العقد ومن مصلحة العقد وإن كان لا يقتضيها العقد، وشروط فيها مصلحة للمتعاقدين أو لأحدهما ولا يقتضيها العقد، وليست من مصلحته، وقد اتفقت المذاهب الفقهية على صحة الشروط في القسمين الأولين، التي يقتضيها العقد (٢)، والتي فيها مصلحة للعقد وإن كان لا يقتضيها (٣)، واختلفوا في القسم الثالث من الشروط وهي التي فيها مصلحة للمتعاقدين أو لأحدهما وليست من مقتضى العقد، ولا من مصلحته، ولم يرد نهي في الشرع عنها. وعدم التفريق بين أقسام الشروط أحد الأسباب التي جعلت بعض الباحثين ينسبون القول بصحة الشروط للمذاهب الفقهية، ويستدلون بأمثلة من كتب هذه


(١) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٩/ ١٣١.
(٢) انظر: المحيط البرهاني، لابن مازه ٦/ ٣٨٩، شرح مختصر خليل، للخرشي ٥/ ٨٠، المجموع شرح المهذب، للنووي ٩/ ٣٦٤، كشاف القناع، للبهوتي ٣/ ١٨٩. قال النووي: "فهذا لا يفسد العقد بلا خلاف" المجموع ٩/ ٣٦٤. واشتراط ما يقتضيه العقد لا يعد شرطًا حقيقة؛ لأن العقد إذا تم ترتبت عليه أحكامه وآثاره دون حاجة لشرط. انظر: نظرية الشرط، للشاذلي، ص ٢٠٧.
(٣) كاشتراط الرهن والكفيل. انظر: بدائع الصنائع، للكاساني ٥/ ١٧١، فتح العلي المالك، لعليش ١/ ٣٣٨، نهاية المحتاج، للرملي ٣/ ٤٥٣، الإنصاف، للمرداوي ٤/ ٣٤٠. قال ابن قدامة: "ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافًا". المغني ٤/ ١٧٠.

<<  <   >  >>