وقد نفذ فيهم كلما أحب، فأوثقه حديدا، وخشبه، ووجه إلى زيادة الله فضربه بالدرة وحبسه، وذلك للنصف من محرم.
وفيها، أنصرف زيادة الله من الأربس إلى رقادة، واستخلف على الجيش بالأربس إبراهيم بن أحمد بن أبي عقال. وبنى زيادة الله سور مدينة رقادة بالطوب والطوابي، والتزم التنزه على البحر وغيره، واتباع اللذات، ومنادمة العيارين والشطار والزمامرة والضراطين. وكان إذا فكر في زوال ملكه وغلبت عدوه على أكثر مواضع عمله، يقول لندمائه (املأ اأسقني! من القرن يكفيني!) وأشتد كلفه بغلام له يسمى بخطاب فكتب اسمه في سكة الدنانير والدراهم، ثم وجد عليه فحبسه وقيده، فغنت له جارية تستعطف على الخطاب (بسيط) :
يا أيها الملك الميمون طائره ... رفقا فأن يد المعشوق فوق يدك
كم ذا التجلد والأحشاء خافقة ... أعيذ كفك أن تسطو على كبدك
فرض عن الخطاب وأعاده إلى منزلته. وكان إذا أظهر الغم بأمره الشيعي أخذوا له في التسلي فغنت جارية له يوم (كامل) :
أصبر لدهر نال م ... نك فهكذا مضت الدهور
فرح وحزن مرة ... ولا الحزن دام ولا السرور
فقال لها (صدقتني!) وأمر لها بصلة.
وفيها، استعفى حماس بن مروان عن القضاء بالقيروان، فعوفي، وولي زيادة الله مكانه محمد بن جيمال، فلم يزل قاضيا إلى أن هرب زيادة الله. وفيه، دخل أبو عبد الله الشيعي مدينة بغاية بالأمان، في شعبا، فعظم غم زيادة الله بذلك، وأستشار ابن الصائغ في أمره، فقال له (ارحل إلى مصر سرا وأستخلف على إفريقيا قائدا تجعل إليه أمر العساكر، وتترك له الأموال) فنظر في ذلك، وأمر بشراء خمسمائة جمل لرحيله. ثم ظهر له خطأ هذا الرأي، وخشي قيام الناس عليه وثورتهم به، فأمسك. وشعر إبراهيم بن حبشي