لا يعلمون ذلك، ولا أهل القيروان. فخرج المعز في بعض الأعياد إلى المصلى في زينته وحشوده، وهو غلام فكبا به فرسه، فقال عند ذلك: أبو بكر وعمر! فسمعته الشيعة التي كانت في عسكره، فبادروا إليه ليقتلوه، فجاء عبيده ورجاله ومن كان يكتم السنة من أهل القيروان، ووضع السف في الشيعة، فقتل منهم ما ينيف على ثلاثة آلاف، فسمي ذلك الموضع بركة الدم إلى الآن. قال أبو الصلت: وصاح بهم في ذلك الوقت صائح الموت، فقتلوا في سائر بلاد أفريقية. فوافق ذلك ما قاله الشعراء فيهم على وجه التطهير لهم، كقول القاسم بن مروان (وافر) .
وسوف يقتلون في كل أرض ... كما قتلوا بأرض القيروان
وكقول الآخر (رمل) .
يا معز الدين عش في رفعة ... وسرور واغتباط وجذل
أنت أرضيت النبي المصطفى ... وعتيقا في الملاعين السفل
وجعلت القتل فيهم سنة ... بأقاصي الأرض في كل الدول
وكقول آخر (طويل) .
وكانت لهم بالشرق نار فأطفئت ... فما ملكوا بالكفر شرقا ولا غربا
وحكي في قتل الروافض حكايات كثيرة مما رآه المعز في منامه، وتأويل ذلك وغيره ألغيناه هنا عن ذكره. ولم يزل المعز يعمل فكره في قطع الدعوة لهم إلى أن كانت سنة ٤٤٠.
وفي سنة ٤٢٠، وجفت جموع زناتة تريد حضرة القيروان، طمعا منها في الملك. فلما بلغ ذلك المعز، خرج إليهم بجنوده، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزمت زناتة، وقتل منهم خلق كثير، وفر باقيهم إلى الغرب.