أنه سبقه وبات الناس ليلتين بالقيروان تحت ما لا يعلمه إلا الله تعالى من الخوف لا يدرون ما ينزل بساحتهم. وأقام الناس يومين لا يدخل إليهم داخل ولا خارج، وخيل العرب تسرح حول القيروان في كل جهة ومكان، والناس يرونهم عيانا وبيانا، وخرج السلطان سابع عيد الأضحى بجنوده وخرج عامة القيروان معه، فلم يتعد بهم المصلى ورجع العرب في أمانهم الذي أعطوا أهل البوادي، وانتهبوا جميعا، وانتقل أهلها إلى القيروان. وأمر السلطان كافة الناس بانتهاب الزروعات المحيطة بالقيروان وصبرة، وهي المنصورية، فسر المسلمون بذلك، وحسبوها من أرزاقهم. وكان مصيرها إلى ما قدر الله من فساد واكل البهائم لها.
وفي السابع عشر لذي حجة ظهرت خيل العرب على ثلاثة أميال من القيروان. فنزل السلطان يمشي فيها ويوصي أهلها بالاحتفاظ والبناء وأخذ الناس في بناء دورهم. وأمر السلطان المعز أن ينتقل عامة أهل صبرة وسوقها إلى القيروان ويخلوا الحوانيت كلها بصبرة وأمر الجميع من بالقيروان من الصنهاجين وغيرهم من العسكر أن ينتقلوا الى صبرة وينزلوا في حوانيتها وأسواقها فأرتج البلد لذلك وعظم الخطب واشتد الكرب. ومد العبيد ورجال صنهاجة أيديهم إلى خشب الحوانيت وسقائفها واقتلعوها. وخربت العمارة العظيمة في ساعة واحدة. وبات الناس على خوف عظيم ثم أصبحوا فعاينوا خيول العرب فأمر السلطان ألا يخرج العسكر على سور صبرة. أين ابن شرف: أخبرني من أثق به، قال: خرجت من القيروان وسرت ليلا، فكنت أكمن النهار، فلم أمر بقرية إلا وقد سحقت وأكلت، أهلها عراة أمام حيطانها من رجل وامرأة وطفل، يبكي جميعهم جوعا وبردا وانقطعت المير عن القيروان، وتعطلت الأسواق، وأمسك العرب جميع من أسوره، فلم يطلقوا أحدا إلا بالفداء مثل أسرى الروم، وأما الضعفاء والمساكين فامسكوهم لخدمتهم