صياح الناس وضجيجهم، ورأى حركاتهم؛ فقال:(ما هذا؟) فقالوا: (ابنك مروان أمر للناس بوصيفة وصيفة!) فقال لهم: (مروا لهم انتم بوصيف وصيف!) فانصرفوا الناس كلهم، ومع كل واحد منهم وصيف ووصيفة.
وكان الوليد بن عبد الملك مرض مرضه الذي مات منه. وكتب إلى موسى يأمره بشد السير إليه ليدركه قبل الموت. وكتب إليه سليمان أن يبطؤ في سيره. فعمل موسى بكتاب الوليد، ولم يعمل بكتاب سليمان، وجدّ في شيره. فغضب عليه سليمان، وقال:(والله! لئن ظفرت به، لأصلبنه!) وكان سبب أمر الوليد لموسى بالعجلة ليحرم سليمان ما جاء به؛ وكان أمر سليمان له بترك الاستعجال ليحرم الوليد وولده ما جاء به. فقدم موسى قبل موت الوليد وأتاه بالطرائف من الدُّر والياقوت والزبرجد، والوصفاء والوصائف، ومائدة سليمان، والتيجان المكللة لدُّر والياقوت. فاستغرب الوليد ذلك، وأمر بمائدة سليمان؛ فكسرت، وعمد إلى أرفع ما كان فيها من الجوهر وكلّ ما كان في التيجان وغيرها؛ فجعله في بيت المال. ثم لم يلبث أن مات وأفضت الخلافة إلى سليمان أخيه؛ فبعث في موسى؛ فعنَّفه بلسانه، وقال:(والله لأفلنَّ غربك! ولأفرقن جمعك! ولأصغرن من قدرك!) فقال موسى: (أما قولك تفل من غربي وتخفض من قدري، فإن ذلك بيد الله، وإلى الله لا إليك! وبه أستعين عليك!) فأمر به سليمان؛ فوقف في يوم صائف شديد الحر؛ وكان موسى رجلا ضخما، بادنا، ذا نسمة؛ فوقف حتى سقط مغشيا عليه؛ فنظر شليمان إلى عمر ابن عبد العزيز - رضي الله عنه -؛ فقال له:(يا أبا حفص! ما أراني إلا وقد بررت في يميني وخرجت عنه!) فقال عمر: (أجل! يا أمير المؤمنين!) فقال سليمان: (من يضمه إليه؟) فقام يزيد بن المهلب؛ فقال (أنا يا أمير المؤمنين أضمه إليَّ!) قال: (فضمه إليك ولا تضيق عليه!) فانصرف يزيد، وقدَّم