وتظافر معه على ذلك عامر بن عمرو العبدري من بني عبد الدار بن قصي؛ وكان قد هرب من قرطبة خوفا من يسوف؛ وكان عامر هذا أحد رجال مضر، (وقد فشا) بالأندلس نجدة وشرفا وعلما وأدبا؛ وكان يلي المغازي بالصوائف من قبل يوسف الفهري؛ وكان سلطان الفهري يومئذ قد ضعف لأجل المحل المتوالي بالأندلس. وكان الصميل قد لزم الثغر في تلك الأعوام، لأنه كان أشبه من غيره في الخصب؛ فلما خاف عامر هذا على نفسه من الفهري والصميل، خرج فارا بنفسه، وقصد الحبحاب بن رواحة، واستجاشا. فأجابهما رجال من اليمانية وناس من البربر؛ فحصرا الصميل بسرقسطة حصارا شديدا، حتى يئس من الحياة، وهم بالإلقاء بيده؛ وكتب إلى يوسف يسأله الإمداد؛ فلم يجد في الناس منهضا. فلما أبطأ عليه مدد يوسف، واشتد الحصار، كتب إلى قومه من جند قنسرين ودمشق، يعظم عليهم الخطب، ويناشدهم الرحم؛ فقام له بذلك عبيد بن عليّ الكلائي؛ وأكثر كلاب وهوازن وغطفان والأزد تقدم رجلا وتؤخر أخرى، ولم يكن لهم رأس يجمعهم. فلما نهض عبيد بن عليّ ومضى داعيا في الجندين إلى نصر الصميل، تحركت جماعة كلاب ومحارب، إلا كعب بن عامر وعقيل وقشير والحريش؛ فإنهم كانوا منافسين لبني كلاب، لأن الرياسة يومئذ بالأندلس كانت فيهم؛ وكان بلج قشيريا؛ فضمهم الصميل.
ولم يجتمع من هذه القبائل إلا نحو أربعمائة فارس؛ فاستقلوا أنفسهم؛ ثم صمموا، وخف معهم يومئذ قوم من بني أمية في نحو ثلاثين فارسا؛ وخرج معهم أبو عثمان عبيد الله بن عثمان مولاهم، وخرج أيضا معهم عبد الله بن خالد بن أبان بن أسلم، مولى عثمان بن عفان - رضي الله عنه -؛ وكان عبد الله وعبيد الله يتواليان حمل لواء بني أمية بالأندلس بعد، ويتعاقبان في ذلك. وكان لهما ولبني أمية في هذا المجتمع يومئذ بلاء معروف مشهور، وإنما أراد أن يقدما بذلك يدا عند الصميل، لما كانا بنيا عليه من اطلاعه على أمر