عبد الرحمن بن معاوية؛ وكانا واثقين بالصميل، وأنه، إن لم يجبهما، كتم عليهما؛ وكذلك فعل؛ فإنه كتم عليهما كتمانا عجيبا. فكان هذا هو الذي دعاهم إلى إمداد الصميل واستنفاذه لاعتداد اليد عليه؛ ورأسوا على أنفسهم ابن شهاب استئلافا له؛ ومشى الجميع. فلما بلغوا وادي طليطلة، بلغهم أن الحصار اشتد وأضر بالصميل، وأنه على الهلكة؛ فقدموا رسولا من قبلهم، وقالوا له:(ادخل في جملة المحاربين للسور. فإذا قربت منه، ارم بهذه الأحجار!) وفي كل واحد منها بيتان، وهما (وافر) :
ألاَ أبشِرْ بالسَّلامةِ يا جِدَارُ ... أتَاكَ الغَوْثُ وانْقَطَعَ الحِصارُ
أتَتْكَ بَنَاتُ أعْوَجَ مُلْجَمَات ... عليها الأكْرَمُونَ وَهُمْ نِزارُ
ففعل الرسول ذلك. فلما وقعت الحجارة، أتى بها الصميل أو ببعضها؛ فقرئت عليه؛ وكان أميا. فلما سمع ما فيها، قال:(ابشروا يا قوم! فقد جاءكم الغوث، ورب الكعبة!) ومضى القوم يستحيشون كل من استجاب لهم، ومعهم الأمويون، وفي جملتهم بدر رسول ابن معاوية. وكان عبد الرحمن قد بعث إليهم خاتمة ليكتبوا به عنه إلى كل من رجوا نصره؛ فكتبوا عنه للصميل، يذكرون له أيادي بني أمية عنده، وبعده، ويمنيه. فلما سمع العبدري والعذري بالمدد الواصل إليه، ارتفعوا عنه، وانكشف وجه الصميل؛ فخرج، وتلقى القوم، ووصلهم على أقدارهم، وكساهم، وقفل معهم بماله وحشمه. فلما زال الصميل عن سرقسطة، دخلها الحبحاب وملكها.
ثم أطلع الأمويون الصميل على قصة ابن معاوية، وعرضوا عليه بدرا رسوله؛ فأحسن إليه وقال لهم:(أروى في أمره.) وأقبل قافلا حتى دخل قرطبة. وانصرف الأمويون إلى منازلهم، وبدر معهم. وقد كان الصميل اتفق مع الأمويون على نصرة ابن معاوية، وأن يزوجه من ابنته. ثم رجع في قوله، وقال: