وفي سنة ١٤٧، وجه الأمير عبد الرحمن بدرا مولاه وتمام بن علقمة في جيش كثيف إلى طليطلة، وبها هشام بن عروة ثائر؛ فحاصراه حتى سئم أهل طليطلة الحصار؛ فكاتبوا بدرا وتماما، وسألوهما الأمان على أن يسلموا لهما ابن عروة وهشام بن حمزة بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وحيوة ابن الوليد؛ وكانوا يدا واحدة. فأسلموهم إليهما، وخرج بهم تمام إلى قرطبة؛ فلقيه عاصم بن مسلم؛ فقبض منه الأسرى، وعهد إليه عن الأمير أن يكر إلى طليطلة واليا عليها، ويقبل بدر إلى قرطبة. وأقبل عاصم بالأسرى؛ فلما احتل بقرية حلزة، خرج إليه ابن الطفيل، ومعه حجام وحباب صوف وسلال؛ فحلق رؤوسهم ولحاهم، وألبسهم جباب الصوف، وأدخلهم في السلال، وحملهم على الحمر؛ فأتى على تلك الحال إلى خشب قد أعدت لهم، فصلبوا فيها. وكتب إلى البلدان بفتح طليطلة.
وفي سنة ١٤٩، ثار سعيد البحصي المعروف بالمطري بكورة ليلة؛ واجتمعت اليمانية إليه، ولاذوا بحقوبه. ثم سار إلى إشبيلية، وتغلب عليها قسرا، ولم يجد أهلها في مدافعته نصرا. فكثر عدده، وتأزر عضده؛ وعاد عسكره مهولا، قد أخذ وعورا وسهولا. فسار إليه الأمير عبد الرحمن في جيوش عظيمة المدد، مجهولة العدد، حتى نزل عليه بقلعة زعواق؛ وكان المطري قد تحصن بها، ولاذ بجانبها؛ فحصره فيها حصرا، وأرهقه من أمره عسرا، حتى خرج متعرضا للحرب في جماعة من فرسانه الأكابر، ومن اختصه من أولئك البرابر؛ فلم تنشب الحرب بينهم إلا قليلا، وقتل المطري ومن معه تقتيلا. وجئ برأسه إلى الأمير عبد الرحمن؛ فأمر للحين برفعه في طرف سنان.
وفيها، قتل الأمير عبد الرحمن أبا الصباح بن يحيى البحصبي. وكان قد ولاه إشبيلية، ثم عزله عنها؛ فجمع إليه أهل الخلاف وصار عليه؛ فوجه إليه الأمير مولاه تماما ملاطفا له؛ فقدم معه قرطبة في أربعمائة رجل على غير عهد؛