عليه؛ فرد عليه يوما جوابا يقول فيه:(قد فهمنا عنك، ولم نأت ما أتيناه عن جهل بك، لكن اصطناعا لك، وعائدة عليك. وقد أبحنا لك الاستعانة بأهل اليقظة من الكتاب. فتخير منهم من تثق به وتعتمد عليه. ونحن نعينك على أمرك بتفقد كتبك والإصلاح عليك، إلى أن تركب الطريقة وتبصر الخدمة إن شاء الله تعالى!) فحسده على الخطة لشرفها من رأى نفسه أولى بها لاستكمال أدواتها؛ فطولب عليها. وكان أشد الناس في ذلك هاشم بن عبد العزيز، يثير سقطانه، ويتتبع هفواته، ويشنع عليه؛ والأمير محمد بفطنته يتغافل له. فلما طال عليه الصبر، دعا هاشما، وقال له:(قد أكثر أهل خدمتنا وأكثرت في هذا الكاتب: تذكرون جهله وفدامته، وقد ضممنا إليه من الكتاب من يستعين به، ويستظهر على خدمته بمكانه؛ وإنما تقفو بخدمتنا، وننسلك بمراتبنا طريق من ابتدأها وأسسها ووضع أهلها فيها. وإذا كنا لا نخلف آباءكم بكم، ولا نخلفكم بأبنائكم، فعند من نصنع إحساننا ونرب أيادينا؟ أعند أبناء القرانين أو الجزارين أو أمثالهم من الممتهنين) ؟ وأنت كنت أحق بالحص على هذا، وتصويب الرأي فيه، لما ترجو من مثله في أولادك وعقبك!) فرجع هاشم إلى الشكر له وتقبيل يده ورجله.
وكان - رحمه الله! - مأمولا محبوبا في جميع البلدان. وكان محمد بن أفلح صاحب ناهرات لا يقدم ولا يؤخر في أموره ومعضلاته إلا عن رأيه وأمره؛ وكذلك بنو مدرار بسجلماسة. وكان قرولش ملك إفرنجة يسترجح عقله؛ فيهاديه ويتحفه؛ وهو (أعني قرولش) الذي عمل صورة عبسي من ثلاثمائة رطل من ذهب خالص، وصفها بالياقوت والزبرجد، وجعل لها كرسيا من ذهب خالص مفصص بالياقوت والزبرجد أيضا؛ فلما اكمل ذلك، سجد له وأسجد له جميع أهل إفرنجة في ذلك التاريخ؛ ثم دفعه إلى صاحب كنيسة الذهب برومة.