من سحنون، إلا أنه قدم علينا من هو أطول لسانا منه، يعني ابن حبيب. وكان ابن حبيب أديبا، نحويا، حافظا، شاعرا، متصرفا في فنون العلم من الأخبار والأنساب والأشعار. وله مؤلفات حسان في الفقه والأدب والتواريخ كثيرة. قال ابن العزبى: بضاعته في الحديث مزجاة. وكانت علته التي مات منها الحصى. وتوفي وسنه أربع وستون سنة. وكتب إلى الأمير عبد الرحمن بن الحكم في ليلة عاشوراء (بسيط) :
لا تَنْسَ، لا يَنسَكَ الرَّحْمنُ، عَاشُورَا ... وَأذْكُرهُ لا زلْتَ في الأخبارِ مّذكُورَا
مَنْ بَاتَ في لَيْلِ عَاشُوراء ذَا سَعةٍ ... يَسكُنْ بعِيِشَتِهِ في الحَولِ مَحسُورَا
وخرج الأمير محمد بن عبد الرحمن إلى الرصافة يوما متنزها، ومعه هاشم ابن عبد العزيز؛ فكان بها صدر نهاره على لذته؛ فلما أمسى، واختلط الظلام انصرف إلى القصر، وبه اختلاط. فأخبر من سمعه وهاشم يقول له:(يا ابن الخلائف! ما أطيب الدنيا لولا الموت!) فقال له الأمير: (يا ابن اللخناء! لحنت في كلامك! وهل ملكنا هذا الملك الذي نحن فيه إلا بالموت؟ فلولا الموت، ما ملكناه أبدا!) وكان الأمير محمد - رحمه الله! - غزاه لأهل الشرك والاختلاف. وربما أوغل في بلاد العدو الستة الأشهر والأكثر، بحرق وبنسف. وله وقعة وادي سليط، وهي من أمهات الوقائع؛ ولم يعرف بالأندلس قبلها مثلها. وفيها يقول عباس بن فرناس، وشعره يكفينا من صفتها؛ وهو (طويل) :