غزاة له على بربشتر يوم السبت للنصف من صفر سنة ٢٧٥. عمره: ستة وأربعون سنة. خلافته: سنتان إلا سبعة عشر يوما. ودفن بقصر قرطبة، وصلى عليه أخوه عبد الله، جد الناصر.
واتصل به موت أبيه، وهو على حصن الحامة يقاتل المرتد اللعين عمر ابن حفصون؛ فقفل إلى قرطبة. وتمت له البيعة في اليوم الثاني من وصوله؛ ففرق العطاء في الجند، وتحبب إلى أهل قرطبة والرعايا بأن أسقط عنهم عشر العام وما يلزمهم من جميع المغرم.
وكانت أكثر حصون رية قد حصلت في طوع ابن حفصون؛ فبعث إليها الإمام المنذر الأجناد؛ فانصرفت إلى الطاعة.
ولما بلغ ابن حفصون موت الأمير محمد، وانصرف عنه المنذر على ما تقدم، نهض من فوره؛ فراسل الحصون التي بينه وبين الساحل كلها؛ فأجابته وطاعت له. ونهض إلى باغه وجبل شيبة؛ فأخذ من الأموال ما لا يوصف، كل ذلك منه بلا قوة، ولا كثرة من مال، ولا عدد؛ ولكنه كان عذابا من الله ونقمة انتقم بها من عبيده. وانفق له زمان هرج وقلوب قاسية فاسدة ونفوس خبيثة، متطلعة إلى الشرّ، مشرئبة إلى الفتنة. فلما ثار، وجد من الناس انقيادا وقبولا للمشاكلة والموافقة؛ فتألبت له الدنيا، ودخل إلى الناس من جهة الألفة، وقال:(طال ما عنَّف عليكم السلطان، وانتزع أموالكم، وأخرجكم من عبوديتكم!) فكان ابن حفصون لا يورد هذا على أحد إلا أجابه وشكره. فكانت طاعة أهل الحصون بهذا الوجه. وكان أتباعه شطار الناس وشرارهم. فكان يمنيهم بفتح البلاد، وغنائم الأموال. وكان مع ذلك متحببا لأصحابه، متواضعا لألافه. وكان، مع شره وفسقه، شديد الغيرة، حافظا للحرمة؛ فكان ذلك مما يميل النفوس إليه. ولقد كانت المرأة في أيامه تجئ بالمال والمتاع من بلد إلى بلد منفردة، لا يعترضها أحد من خلق الله. وكانت عقوبته السيف، يصدق المرأة