والرجل والصبي أو من كان على من كان، لا يطلب على ذلك شاهدا أكثر من الشكوى. وكان يأخذ الحق من ابنه، ويبر الرجال، ويكرم الشجعان؛ وإذا قدر عليهم، عفا عنهم. وكان يسورهم بأسورة الذهب إذا اختصلوا. فكانت هذه الأشياء كلها عونا له. وانتهى ابن حفصون بعاديته إلى قبرة وما أمامها إلى قرية الجالية، وأغار على القبذيق من إلبيرة، وعلى أحواز جيان، وأسر عبد الله ابن سماعة عامل باغه.
وكان اجتمع إلى حصن آشر من حوز رية وبمقربة من قبرة جمع الشر من أصحاب ابن حفصون. فراع أهل قبرة أمرهم وهابوهم. واتصل بالأمير المنذر خبرهم؛ فأرسل أصبغ بن فطيس في خيل كثيفة إلى حصن آشر؛ فحاصرهم حتى افتتحه، وقتل من كان فيه. وأخرج الأمير المنذر عبد الله بن محمد بن مضر وأبدون الفتى بخيل إلى ناحية لجانة من قبرة؛ وكان بها مسلحة لابن حفصون؛ فنازلوهم وقاتلوهم حتى أفنوهم.
قال الرازيّ: وفي سنة ولاية الإمام المنذر، غزا محمد بن لبّ إلى ألبة والقلاع ومعه جموع المسلمين؛ ففتح الله للمسلمين، وقتلوا المشركين قتلا ذريعا.
وفي هذه السنة، أعني سنة ٢٧٣، في جمادى الأولى، أمر الأمير المنذر بسجن هاشم بن عبد العزيز وزير أبيه وخاصته، وأمر بقتله في جمادى الأولى؛ وسبب ذلك أن هاشما كان يجسد لمكانه من الأمير محمد وخاصته به؛ فكانوا يسعون به عند المنذر، ويكررون ذلك عليه، حتى تنافرت النفوس. فلما مات الأمير محمد، وولى المنذر، أراد أن يفي له ويتبع فيه فعل أبيه؛ فولاه الحجابة. ثم تمالئوا عليه، وأمثروا، وحرفوا عليه الكلام، وتأولوا عليه أقبح التأويل، حتى نفذ قضاء الله فيه. وكان مما تأولوا عليه أن هاشما أنشد عند مواراة الأمير محمد - رحمه الله! - (وافر) :