أعَزّى يَا مُحَمِّدُ عَنكَ نَفسِي ... أمين الله ذَا المِنَنِ الجِسَامِ
فَهَلاً مَاتَ قَومٌ لَم يَمُوتُوا ... وَدُوفِعَ عَنكَ لِي كاسُ الحِمَام
فتأوَّلوا أنه يريد بقوله (لم يموتوا) المنذر. وكتب هاشم من حبسه إلى جاريته عاج (طويل) :
وَإنّي عَدَاني أن أزُورَكِ مَطبَقٌ ... وبَابٌ مَنِيعٌ بالحديدِ مُضّبَّبُ
فإن تَعجبِي يا عَاجُ ممَّا أصابني ... فَفِي رَيبِ هذا الدَّهرِ مَا يُتعَجبُ
تَرَكتُ رَشادَ الأمِر إذ كنتُ قادِراً ... عَليهِ فَلاقَيتُ الذِي كُنت أرهَبُ
وكم قَائِلٍ قَالَ: أنجُ وَيحَكَ سَالماً ... فَفِي الأرضِ عَنهمُ مسترادٌ ومذهبُ
فَقُلتُ لَهُ: إنَّ الفِرارَ مّذَلةٌ ... ونَفسِي علَى الأسواء أحلَى وأطيَبُ
سأرضَى بِحُكمِ الله فِيمَا يَنُوبُنِي ... ومَا مِن قضَاء اللهِ للِمَرء مَهرَبُ
فَمَن يَكُ أمسَى شَامِناً بي فإنَّهُ ... سَيَنهَلُ في كاسِي وَشِيكاً وَيشرَبُ
ثم بعث فيه الأمير ليلا؛ فقتله، وسجن أولاده وحاشيته، وانتهب ماله، وهدم داره، وألقى أولاده في السجن، وألزمهم غرم مائتي ألف دينار؛ فلم يزالوا في السجن والغرم إلى موت المنذر وولاية أخيه عبد الله؛ ثم أطلقهم عبد الله، وصرف عليهم ضياعهم، وولى أحدهم الوزارة والقيادة.
وفيها، كانت الوقعة على أهل طليطلة وكانوا قد جيشوا البربر المنفيين من ترجيله، فقتل منهم ألوف.
وفي سنة ٢٧٤، خرج الأمير المنذر بجيوشه إلى عمر بن حفصون؛ فافتتح حصونه برية، والحصون التي بجهة قبرة؛ ثم توجه إلى حضرته بربشتر؛ فحاصره فيها، وأفسد ما حواليه، وضيق عليه؛ ثم انتقل عنه إلى أرجذونة، وبها عيشون؛ فأقام عليها محاصرا لها ومضيقا على أهلها، إلى أن نبذوا عيشونا وأهله، وأسلموه بذنبه؛ فدخلها الأمير المنذر، وقبض على عيشون وأصحابه. وظفر أيضا ببني مطروح، وهم: حرب، وعون، وطالوت، وافتتح حصونهم بجبل باغه، وأتى بهم