وفيها، خرج حفص بن المرة إلى سوار، وكمن له الكمائن، وأغار عليه؛ فلما خرج سوار في طلبه، خرجت عليه الكمائن؛ فقتل: وفيها، قتل ابن شاكر الثائر بجيان. وسبب قتله أن ابن حفصون أزاد أن يراجع طاعة الأمير، وأن يتقرب إليه بقتل ابن شاكر؛ فبعث إليه خيلا يريه أن يمده على عدوه؛ فأقبل المدد إليه؛ فلما خرج إليهم، فتكوا به وقتلوه، وبعثوا برأسه إلى ابن حفصون؛ فبعث به إلى الأمير عبد الله. وعند ذلك توجه ابن حفصون إلى جيان؛ فأغرم أهلها الأموال الجسيمة. وأقامت جيان وإلبيرة مدة دون عامل من الأمير.
وفي سنة ٢٧٨، خرج الأمير عبد الله إلى بلاي من عمل قبرة، وبها عدو الله ابن حفصون مع جماعة كبيرة من أصحابه أهل الفساد والارتداد. وكانوا قد أضروا بأقاليم قرطبة، وضيقوا عليهم حتى أغاروا على أغنام قرطبة. فخرج إليهم الأمير مستهل صفر، واحتل به؛ فناهضه وصادقه القتال؛ فانهزم هو ومن معه، ولجأ إلى حصنه مع ملأ من أصحابه، وعوجل عشيره عن الدخول معه، واتبعوا؛ فلم يخلص منهم أحد. فبات الأمير قرير عين، والمسلمون كذلك، وقد أخذوا عليه تلك الليلة الباب رجاء أن يأتي الصباح، فيؤخذ داخل الحصن. ثم خرج منه مع بعض أصحابه، ونجا ونجوا. ولما أصبح، أعلم السلطان بخبره؛ فأرسل الخيل في أثره؛ فلم يعلم له خبر. ودخل الأمير الحصن يوما آخر؛ فوجده مترعا بالذخر، ملآن من العدد؛ وكان عدد عسكر الأمير ثمانية عشر ألف فاري. وقيل إن ابن حفصون ألب أهل حصون الأندلس كلها، وأقبل إليه في ثلاثين ألفا. ووقعت الحرب بينهم؛ فانهزم عدو الله، وقتل أكثر من كان معه. ودخلت جملة منهم في محلة الأمير؛ فأمر بالتقاطهم؛ فأتى بألف رجل منهم؛ فقتلوا صبرا بين يديه. هكذا ذكر في (بهجة النفس) .
ثم قصد الأمير إستجة؛ فنازلهم؛ وحاربهم، وقتل لهم عددا كثيرا. فلما أخذهم