صاحب قرمونة، ومخالفة محمد ومن معه بقرمونة، ولياذه بسلطان الجماعة. فبعث الناصر عسكرا إلى إشبيلية؛ فجرت بينهم حروب عظيمة. ثم بعث الأمير عبد الرحمن الناصر إلى محمد بن إبراهيم بن حجاج، وأمره بالتضيق على أهل إشبيلية، وعقد له على ذلك، وأشرك معه فيه قاسم بن الوليد صاحب شرطته في ذلك الوقت؛ وكان بينه وبين محمد صداقة. فخرجا معا من قرطبة إلى قرمونة، ومنها دنوا إلى إشبيلية. فتردد محمد وقاسم بالجموع على إشبيلية، وملكا أقاليم الشرف، وأقاليم طالقة، وإقليم البر وغيرها، وأخذا بمخنق ابن مسلمة صاحب إشبيلية؛ فاستجاش ابن مسلمة برأس النفاق اللعين ابن حفصون؛ فأتاه بنفسه، وخرج معه من مدينة إشبيلية، وجاز النهر؛ وكان الجيش يحصن قبرة، وفيه محمد بن إبراهيم بن حجاج، وقاسم بن وليد؛ فخرجا إليهما بمن معهما من حشم السلطان؛ فانهزم ابن حفصون، وفر على وجهه، حتى لحق بقلعته. فتأمل ابن مسلمة منتشبه مع ابن عمه محمد بن حجاج، ودخوله معه في وراثة أبيه، وأنه لا طاقة له به. فأخذ في إصلاح ما بينه وبين السلطان الناصر؛ فراسله بأن يعطيه إشبيلية. فوصله الحاجب بدر، وتملك السلطان إشبيلية دون إراقة دم ولا قتال. فلما استقر الحاجب بإشبيلية، أحضر أهلها، ووعدهم عن السلطان بكل جميل، وأن يجري عليهم عوائدهم مع بني حجاج وزيادة على ذلك؛ فرضى القوم، وتم الأمر للحاجب وابن مسلمة. وأخذ الحاجب في مخاطبة محمد بن حجاج، يعرفه بتملك السلطان إشبيلية، وأن السلطان أمره بالكف عن حصارها. فعند وقوف محمد على الكتاب، ساءه ذلك، وتغير له، وخرج من حصن قبرة الذي كان به مع قاسم بن وليد ناكثا للطاعة؛ وسرى ليلته مع جموعه قاصدا بلده قرمونة؛ فالقى في طريقه أغناما لأهل قرطبة؛ فأغار عليها، وحملها معه إلى قرمونة؛ فدخلها، وأظهر التمتع بها. فأخرج إليه الناصر لدين الله صاحب الحشم؛ فلما وصله وخاطبه بما أمره به السلطان، رد عليه الأغنام بجملتها.
ولما رجع صاحب الحشم إلى قرطبة، خرج محمد بن حجاج من قرمونة