وكان مولد الناصر قبل قتل أبيه محمد بأحد وعشرين يوما، وذلك يوم الخميس لثمان بقين من رمضان سنة ٢٧٧. وكان جده الأمير عبد الله يحظيه دون بنيه، ويومئ إليه، ويرشحه لأمره، وربما أقعده في بعض الأيام والأعياد مقعد نفسه لتسليم الجند عليه. فتعلقت آمال أهل الدولة به، ولم يشكوا في مصير الأمر إليه. فلما مات جده، أجلسوه مكانه في الخلافة دون ولده لصلبه، لما أراد الله من ضخامة الملك ونصر الإسلام وإبادة الشرك؛ اتفق له في ذلك ما لم يتفق لملك قبله ولا بعده. وكان يسكن القصر مع جده دونهم؛ فتهيأ إجلاسه دونهم مكانه بغير منازعة. وقيل إن جده رمى بخاتمه إليه إبانة منه لاستخلافه.
فكان أول من بايعه أعمامه أولاد الإمام عبد الله، وهم: أبان، والعاصي، وعبد الرحمن، ومحمد، وأحمد. وتلاهم اخوة جده، وهم: العاضي، وسليمان، وسعيد، وأحمد. وكان أحمد متكلمهم. فلما بايعه، أقنى عليه بكل جميل.
والناصر هذا هو أول من تسمى منهم بأمير المؤمنين، وتلقب بأحد الألقاب السلطانية، وهو الناصر ثم تسمى منهم من كان بعده من خلفائهم بإمرة المؤمنين وآثر اللقب السلطاني، وذلك حين هاجت الخلافة العباسية، وضعفت، وظهرت الدولة التركية والديلمية؛ فصارت إمرة المؤمنين لائقة بمنصبه، وكلمة باقية في عقبه. فاستهل الخطيب بجامع قرطبة أحمد بن بقيّ بن مخلد، بذكر هذا الاسم المخلد، يوم الجمعة مستهل ذي الحجة من سنة ٣١٦. وفي يوم ولايته يقول أحمد بن عبد ربه من قصيدة (بسيط) :