ومن وقت دخوله الأندلس سنة ١٣٨ إلى ولاية عبد الرحمن الناصر، مات من بني أمية سبعة خلفاء وعبد الرحمن ثامنهم؛ ومات في المدَّة المذكورة من بني العباس اثنان وعشرون ملكا.
وفي سنة ٣٠٠، استخلف الإمام الناصر لبدين الله أمير المؤمنين عبد الرحمن ابن محمد - رحمه الله - يوم الخميس مستهل ربيع الأول سنة ٣٠٠، وهو ابن ثلاث وعشرون سنة وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يوما. وكنيته: أبو المُطرف. وأمه: أم ولد تسمى مزنة. وجلس للبيعة في محراب المجلس الكامل بقصر قرطبة، وتولي أخذها له على الخاصة والعامة بدر بن أحمد مولاه، وموسى بن محمد بن حدير صاحب المدينة. وأحضر أعمامه، وأعمام أبيه، وطبقات قريش، وصنوف الموالي، وعامة الناس؛ فبايعوا مبايعة رضى واغتباط، بوجوه متهللة، وصدور منشرحة، وألبسة داعية شاكرة لله - عز وجل - على ما قلده من أمرهم، وأصاره إليه من رعايتهم، والذّبِّ عن حرماتهم؛ قد استبشر جميعهم بيمن نقيبته واعتلاء همته، ورجوا ما قد حققه الله لهم من بركة دولته، وصلاح الأحوال على يديه، وتجرده لاستئصال علق الفتنة، والتمهيد الطاعة. وكان الخلاف قد عم أقطار الأندلس، وطبق القاصي والداني منها، واستولي أهل النفاق على كورها ومعاقلها بفترة طاولتهم، وهمل تراخت أيامه بهم؛ فحسم الله - عز وجلَّ - منه على يديه ما سيأتي الخبر عنه، وتتصل الحاية له.
وعهد - رحمه الله - بالكتاب ببيعته إلى الكور والأطراف. وولي في يوم مبايعته بدرا مولاه الحجابة مع الوزارة وخطة الخيل، إلى ما كان إليه من خطة البرد. وولي موسى بن محمد الوزارة، إلى ما كان إليه من خطة المدينة. وكان على الكتابة عبد الله بن محمد الزجالي؛ فأقره عليها، وأقر أحمد بن محمد ابن أبي عبدة على القيادة؛ وأقرَّ قاسم بن وليد الكلبي على الشرطة العليا؛ وكان مع ذلك خازنا؛ فصرف الخزانة عنه وولاها عبد الملك بن جهور. وولي الخزانة أيضا محمد بن عبيدة بن مبشر، ومحمد بن عبد الله بن أبي عبدة، وعزل