ودحّثون بن هشام. ثم انتقل - رحمه الله - منها إلى كورة إلبيرة. فلما احتلها، تداعى أهل حصون تاجلة وبسطة ومربيط والبراجلة والأسناد إلى النزول والطوع، وأخلوا حصونهم. فأحكم الناصر - رحمه الله - أمر ذلك الجانب كله، وضبط المعاقل برجاله، وأتقن الجميع بنظره. ثم انتقل - رحمه الله - إلى حصون وادي آش؛ فأخلى أكثرها رهبة له، ونزل على حصن فنيانة يوم الخميس لأربع خلون من شوال؛ وكان فيه من شيعة ابن حفصون من آوى أهله وأضلهم؛ فتمنعوا من النزول، ورجوا أن يعتصموا بوعر الحصن؛ فأحاطت العساكر بهم، وأضرمت أرباضهم نارا؛ فضرعوا في قبول الإنابة، على أن يسلموا من كان عندهم من شيعة ابن حفصون؛ فاجيبوا إلى ذلك، وتقبض على أصحاب ابن حفصون، وشدوا وثاقا.
ثم انتقل أمير المؤمنين يتقرى تلك المعاقل بجهة بشيرة وأجبلها، حتى توغل بالعساكر في جبل الثلج، وهو ممتنع السلوك؛ فجازه الناس، ويسر الله ذلك عليهم، وسهله لهم. وافتتحت حصون تلك الجهة، ولم يبق بها معقل ممتنه.
واتصل بأمير المؤمنين - رحمه الله - إنَّ ابن حفصون أقبل في جماعة أصحابه إلى حاضرة إلبيرة، طامعا في انتهاز الفرصة فيها. فأخرج عباس بن عبد العزيز قائدا نحوه. فلما قرب من مدينة غرناطة، أقبل ابن حفصون لما كان رجاه وطمع به؛ فخرج أهل إلبيرة واثقين بالمدد الذي وردهم، والقائد المصرح لهم؛ فهزموا ابن حفصون، وقتلوا جماعة من رجاله، وأسروا عمر بن أيوب حفيده. وجرح أحد أولاده جراحا أثخنته.
وتقصى أمير المؤمنين - رحمه الله - ما كان بقي من معاقل تلك الجهة، حتى احتل بحصن شبيلش؛ وكان من أعظم حصون ابن حفصون منعة، وأصعبها مراما، وأوعرها مكانا؛ وإليه كان انضوى كلُّ مشرك تفلت من الحصون المتقدمة الذكر فاحتلت العساكر عليه يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من شوال؛ فقطعت ثمارهم، واستهلكت زروعهم ومعايشهم؛ وحوصروا خمسة عشر