واجتمع من رؤوس المشركين عدد عظيم منع من البعثة بها إلى قرطبة بمنع الطريق وبعد المسافة.
ثم ارتحل أمير المؤمنين رضه إلى محلة لتبيرة؛ ثم إلى محلة لغين؛ والجيوش لا تمر بموضع إلا اصطلمته، وتعلقت زروعه، وهدمت قراه وحصونه، إلى أن بلغ رضه مدينة بنبلونة؛ فوجدها خالية مقفرة؛ فدخلها - رحمه الله - وجال بنفسه عليها، وأمر بهدم جميع بنيانها، وتخريب كنيسة الكفرة بها، التي كانت يبعثهم موضع نسكهم، حتى لقد جعلت قاعا صفصفا. ثم تنقل - رضي الله عنه - منها إلى صخرة قبس؛ وكانت بها كنيسة قد شيدها العلج، وأتقنها، وطاول الأيام بالتأنق فيها، والتحصين لها؛ فلما حلت بها الجيوش وأخذت في هدمها، تطلع الكلب من جبل كان أسد إليه، طامعا في حمايتها؛ فداخله أولياء الله بأسرع من لحظة الطرف. حتى اقتلعوه مهزوما موليا، وصرع من فرسانه ووجوه أصحابه من كان عنه محاميا ودونه مستهلكا؛ وأخربت الكنيسة وما أحاط بها، وعادت القرية نارا موقدة.
ثم تنقل منها إلى محلة اسارية؛ وكان في ممره إليها فج يقال له هرقلة ضيق المسلك، وعر المجاز؛ فرام الكفرة انتهاز فرصة من المسلمين فيه؛ فأمر الناصر - رحمه الله - بالتعبئة والاحتراس، ونهض على أتم التحفظ والضبط، حتى جاورت العساكر ذلك المضيق، وخرجت عنه وتظاهر أعداء الله لأخل الساقة، متسنمين لأعلى جبل؛ فنهضت الخيل إليهم، وهزمتهم، وقتلت طائفة منهم. وانقشعوا مدبرين لا يلوون ولا يعرجون. وتقدم المسلمون بعزة القهر، وسرور النصر، حتى نزلوا محلة إسارية. ثم ارتحل الناصر - رحمه الله - منها إلى محلته بقرية منيير؛ ثم تنقل إلى محلته بدى شره المجاورة لشنت اشتبين؛ وكان موضع " استركاح " العلج شانجه، ومكان طمأنينته؛ فحلت الجيوش بهذه المحلة يوم الأربعاء لثمان بقين من ربيع الآخر، وتظاهر الكلب على الجبل، قد جمع جموعه، وحشد رجاله، واستجاش بمدود انته من آلبة والقلاع، طامعا في معارضة المسلمين، يقيم