كورة رية، على كثرة ما كان فيها من الحصون المانعة والمعاقل القائمة، ليس فيها جبل مضبوط، ولا بها عدو محذور. واحتمل على مثل ذلك في حصون تاكرنا وحصون مغيلة، إلا ما وجب التمسك به منها. ونظر في إزعاج من وجب إزعاجه إلى قرطبة، ممن كانت نفسه تائقة إلى الفتنة، ليكون الناس أمة واحدة، ورعية ساكنة وادعة. وقدم عبد الحميد بن بسيل الوزير إلى كورة شذونة، لهدم حصونها، وتبسيط أهلها، وجمعهم إلى مدينة قلسانة، التي هي قاعدة الكورة. وأمر باستنزال بني داود عن الحصون التي كانوا فيها، وولاها من عماله وثقات رجاله من يحسن السيرة في رعية تلك الجهة. وكانت سفرته أيمن سفره، وأجمعها لكل خير وصلاح. والحمد لله! ثم قفل بوم الأحد لخمس خلون من صفر؛ فدخل منية الناعورة يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر، وقد استتم في سفرته هذه ستة وعشرين يوما.
وفيها، افتتح أحمد بن إسحاق القائد القرشي مدينة لفنت من تدمير، ومدينة قليوشة؛ واستنزل عنها وعن القصاب التي كانت حواليها بني الشيخ، وقدم بهم إلى قرطبة، يوم السبت لأربع عشرة ليلة بقيت من شعبان. واستنزل في هذا العام بنو أبي جوشن من معاقل بلنسية، وكانوا في نحو ستين رجلا، وقد أهملوا أنفسهم في الفتنة، وتعرضوا لما نزل بهم من النقمة؛ فأمر الناصر بتمييز أهل الجرائر منهم، والتشريد بهم؛ فقدم من استحق القتل منهم إلى المرج بين يدي قصر قرطبة، وضربت رقابهم فيه يوم دخولهم.
وفي هذه السنة؛ عزل فطيس بن أصبغ عن الوزارة، وولي أحمد بن عبد الوهاب بن عبد الرؤوف المدينة وعزل عنها عيسى بن أحمد بن أبي عبدة؛ وقيل ذلك ما كان عزل جميع خزان المال، وكانوا خمسة، وهم: سعيد بن سعيد بن حدير، وأحمد بن موسى بن حدير، وأحمد بن عبد الوهاب المنقول إلى المدينة، وخالد بن أمية بن شهيد، وعيسى بن فطيس؛ وولي الناصر مكانهم أربعة خزان، وهم: محمد بن جهور، وأحمد بن عيسى بن أبي عبدة، وعبد الرحمن بن عبد الله الزجالي، وأحمد بن محمد بن أبي قابوس.