وفيها، أمر الناصر بإقامة دار السكة داخل مدينة قرطبة، لضرب الدنانير والدراهم؛ وولي الخطة أحمد بن موسى بن حدير يوم الثلاثاء عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان؛ وأقام الضرب فيها من هذا التأريخ من خالص الذهب والفضة؛ وصحح في ذلك أحمد بن موسى وتحفظ. وكانت مثاقيله ودراهمه عيارا محضا.
وفيها، خرج أحمد بن إلياس القائد غازيا إلى كور الغرب؛ فافتتح مدينة ماردة، ومدينة شنترين بلا حرب، ونزلوا إليه بالأمان، ووفاهم غاية الإحسان.
وفي هذه السنة، رأى الناصر أن تكون الدعوة له في مخاطباته والمخاطبات له في جميع ما يجري ذكره فيه، بأمير المؤمنين، لما استحقه من هذا الاسم الذي هو له بالحقيقة، ولغيره بالانتحال والاستعارة؛ فهو أبر أمراء المؤمنين والهداة الفاضلين، والأبرار المنقين، من كل منتخب في المشرق والمغرب، وقائم بالحق، وسالك لسبيل الهدى والرشد؛ فعهد إلى أحمد بن بقيّ القاضي صاحب الصلاة بقرطبة بأن تكون الخطبة يوم الجمعة مستهل ذي الحجة بذلك. ونفذت الكتب إلى العمال فيه، بما اجتلبنا نسخته لما فيها من إيعاب القول، واستبقاء الحجة، وظهور الحقيقة. ونسخة الرسالة النافذة في ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإنا أحق من استوفي حقه، وأجدر من استكمل حظه، ولبس من كرامة الله ما ألبسه، للذي فضلنا الله به، وأظهر أثرتنا فيه، ورفع سلطاننا إليه، ويسر على أيدينا إدراكه، وسهل بدولتنا مرامه، وللذي أشاد في الآفاق من ذكرنا، وعلو أمرنا، وأعلن من رجاء العالمين بنا، وأعاد من انحرافهم إلينا، واستبشارهم بدولتنا. والحمد لله ولي النعمة والإنعام بما أنعم به، وأهل الفضل بما تفضل علينا فيه! وقد رأينا أن تكون الدعوة لنا بأمير المؤمنين، وخروج الكتب عنا وورودها علينا بذلك، إذ كل مدعو بهذا الاسم غيرنا منتحل له، ودخيل فيه، ومتسم بما لا يستحقه. وعلمنا أن التمادي على ترك الواجب لنا من ذلك حق أضعناه، واسم ثابت أسقطناه. فأمر الخطيب