يعني غيره. فازداد الناصر حنقا عليه وغيظا؛ فقال له يوما في بعض مجالسه الخاصة معه، وقد أخذ الشراب منه، وشق تفاحة بسكين في يده:(وددت أن أشق هكذا رأس من أعرف له مالا كثيرا غله دوننا، ولم يسهم بيت المال منه!:) فطار عقل ابن السليم، ولم يختلجه الشك في أنه المعني به؛ فقام بين يديه، وقال:(يا أمير المؤمنين! طال ما عرضت بي! فسكت؛ بلى والله! إن عندي مالا كثيرا، وهو دون ظنك فيه، حطته بالتقتير، وأعددته للدهر العثور، ولست والله أعطيك منه درهما، فما فوقه، ورأيك في جميل إلا أن تستحل)(وأعوذ بالله!) أن تمد يدك إليه بغير جناية مني عليك! فإن الأنفس محضرة الشح. قال: فخجل الناصر وأطرق يتلو قول الله تعالى: [إن يسئلكموها فيحفكم أن تبخلوا ويخرج أضغانكم.] ثم أقبل على ابن السليم يونسه ويسكن جأشه، إلى أن اعتدل مجلسه؛ فجعل يمعن في الشرب طلبا للسكر الذي خامره من الذعر. فقال له الناصر:(خفض عليك، يا محمد؛ فلا سبيل إليك!) فلما سكر ابن السليم، تهوع؛ فقذف، وابتدره الوصفاء بالطست والمناديل؛ فأقبل الناصر وأخذ برأسه يمسكه، ويقول له:(استفرغ ما في معدتك وتأن بنفسك!) . فأنكر ابن السليم كلامه بين الخدم، وصرف إليه رأسه، وإذا به الناصر. فما تمالك أن خر إلى رجليه يقبلهما، ويقول:(يا ابن الخلائف! إلى هنا انتهيت من برِّي!) وجعل يدعو له، ويعظم شكره؛ فقال له الناصر:(ليتني أخرج كفافا من شأني معك الليلة: تأنيسا بإخافة وإلطافا بجفوة) . ثم أمر له بكسوة، وانقلب إلى أهله. فكان هذا مما يعد من كرمه وفضله. فلما مضت أيام، أرسل ابن السليم إلى الناصر بمائة ألف دينار دراهم؛ فقبلها الناصر، وشكر فضله) وعوضه بكبير الولايات، وصحبته منه النعمة العريضة إلى حين وفاته.
[حكاية]
ومازح الناصر - رحمه الله - يوما وزيره أبا القاسم لبِّا؛ فقال له: