فأوصلا كتابهم، يذكرون أنهم على محبة صادقة ومودة مستحكمة مع التزامهم للطاعة واعتقادهم للولاية؛ فأدنى رسوليهم، وألطف جوابيهما.
وفي يوم الجمعة لأربع بقين من شوال، قرى كتاب فتح ورد من قبل القائد غالب، يذكر ما هيا الله له في كفرة قشتيلة من القتل والأسر؛ فسر الخليفة بذلك ودخلت الرؤوس قرطبة.
وفي يوم السبت بعده، أنفذ الخليفة الحكم كتبه إلى القواد والعمال بأقطار مملكته، بإنكار ما اتصل به من أن بعضهم يسفك دماء بعض بلا عهد ولا مشورة، وأن ذلك عظم عنده، وتبرأ إلى الله ممن أقدم عليه.
وفيها، أجرى الماء إلى سقايات الجامع والميضأتين اللتين مع جانبيه: شرقيه وغربيه، ماء عذبا جلبه من عين بجبل قرطبة، خرق له الأرض، وأجراه في قناة من حجر متقنة البناء، محكمة الهندسة، أودع جوفها أنابيب الرصاص لتحفظه من كل دنس. وابتدى جري الماء من يوم الجمعة لعشر خلون لصفر من السنة؛ وفي جري الماء إلى قرطبة يقول محمد بن شخيص في قصيدة له، منها (بسيط) :
وقدْ خَرَقت بُطُونَ الأرضِ عن نُطّفٍ ... من أعذَبِ الماءِ نحوَ البَيْت نُجْريها
طُهْرٌ الجُسومِ إذا زالت طهارتها ... رَيُ القُلوب إذا حَرَّتْ صَوَادِيها
وابتنى بغربي الجامع دار الصدقة، اتخذها معهدا لتفريق صدقاته - رحمه الله تعالى -. ومن مستحسنات أفعاله وطيبات أعماله، اتخاذه المؤدبين يعلمون أولاد الضعفاء والمساكين القرآن حوالي المسجد الجامع وبكل ربض من أرباض قرطبة؛ وأجرى عليهم المرتبات، وعهد إليهم في الاجتهاد والنصح، ابتغاء وجه الله العظيم؛ وعدد هذه المكاتب سبعة وعشرون مكتبا، منها حوالي المسجد الجامع ثلاثة، وباقيها في كل ربض من أرباض المدينة. وفي ذلك يقول ابن شخيص (بسيط) :