يسلم؛ فأسرع إليه الوزير محمد بن حفص بن جابر، وكان من حزب ابن أبي عامر؛ فعنفه، واستجهله، وأنكر عليه ترك التسليم، وجعفر معرض عنه. فلما أكثر عليه، قال له جعفر:(يا هذا جهلت المبرة، فاستجهلت عالمها وكفرت. اليد، فقصرت بمسديها.) فاضطرب ابن جابر من قوله، وقال:(هذا هو البهت بعينه! وأي أياديك الغراء التي مننت بها؟ أيد كذا أم يد كذا) ؛ وعدد أشياء؛ فأنكرها عليه الحاجب، وقال:(هذا لا يعرف؛ والمعروف دفعي عن يمناك القطع، وشفاعتي فيها إلى الماضي - رحمه الله - حين استخونك في مال كذا!) فأصر ابن جابر على الجحد؛ فقال جعفر:(أنشد الله من له علم بما ذكرت أن يتكلم!) فقال الوزير ابن عياش: (قد كان بعض منا ذكرته؛ وغير هذا أولى بك، يا أبا الحسن!) فقال: (أحرجني الرجل، فقلت.) ثم أقبل الوزير محمد بن جهور على محمد بن جابر، فقال له:(أوما علمت أنه من كان في سخط السلطان، تحامى السلام على أولىائه لأنهم إن ردوا عليه، أسخطوا السلطان لتأمينهم من أخافه؛ وإن تركوا الرد، أسخطوا الله، وتركوا ما أمر به؟ فكان الإمساك أولى! ومثل هذا لا يخفي على أبي الحسن.) فخجل ابن جابر وأسفر وجه جعفر وتهلل. ثم أخذ القوم في مناظرته على المال؛ فقال:(قد والله استنفدت ما عندي من الطارف والتالد، ولا مطمع فيَّ في درهم، ولو قطعت إرباً إربا!) فصرف إلى محبسه في مطبق الزهراء؛ فكان آخر العهد به.
وله، وقد أودعه المنصور المطبق، والشجون تسرع إليه وتسبق، معزيا لنفسه، ومجتزيا في يومه بإسعاد أمسه؛ فقال (متقارب) :
أجَارِي الزمانَ على حالِهِ ... مُجَاراةَ نَفسِي لأنفْاسِهَا
إذَا نفَسٌ صاعِدٌ شَفَّهَا ... توَارَتْ به بَينَ جُرسِها
وإنْ عَكَفَتْ نَكْبَةٌ لِلزَّمانِ ... عَكَفتُ بِصَدرِي على رَأسِهَا
ومن بديع ما حفظ له في نكبته، قوله - رحمه الله - يستريح من كربته (طويل) :