وكان من أخبار المنصور الداخلة في أبواب البر والقربة، بنيان المسجد الجامع والزيادة فيه سنة ٣٧٧. وذلك أنَّه، لما زاد الناس بقرطبة، وانجلب إليها قبائل البربر من العدوة وإفريقية، وتناهى حالها في الجلالة، ضاقت الأرباض وغيرها، وضاق المسجد الجامع عن حمل الناس؛ فشرع المنضور في الزيادة بشرقيه حيث يتمكن الزيادة لاتصال الجانب الغربي بقصر الخلافة. فبدأ ابن أبي عامر هذه الزيادة على بلاطات تمتد طولا من أول المسجد إلى آخره؛ وقصد ابن أبي عامر في هذه الزيادة المبالغة في الإتقان والوثاقة دون الزخرفة، ولم يقصر مع هذا عن سائر الزيادات جودة ما عدا زيادة الحكم. أول ما عمله ابن أبي عامر تطييب نفوس أرباب الدور والمستغلات الذين اشتريت منهم للهدم لهذه الزيادة، بإنصافهم من الثمن أو بمعاوضة. وصنع في صحته الجبَّ العظيم قدره، الواسع فناؤه. وابن أبي عامر رتب إحراق الشمع في المسجد الجامع زيادة للزيت؛ فتطابق بذلك النزران. وكان عدد سواري الجامع، الحاملة لسمائه واللاصقة بمبانيه وقبابه ومناره، ما بين كبيرة وصغيرة، ألف سارية وأربعمائة سارية وسبع عشرة سارية. وعدد ثريات الجامع، ما بين كبيرة وصغيرة، مائتان وثمانون ثرية؛ وعدد الكؤوس سبعة آلاف كأس وأربعمائة كأس وخمس وعشرون كأسا. وزنة مشاكي الرصاص للكؤوس عشرة أرباع أو نحوها؛ وزنة ما يحتاج إليه من الكتَّان للفتائل في كل شهر رمضان ثلاثة أرباع القنطار؛ وجميع ما يحتاج إليه الجامع من الزيت في السنة خمسمائة ربع أو نحوها؛ يصرف منه في رمضان خاصة نحو نصف العدد. ومما كان يختص برمضان المعظم ثلاثة قناطير من المشع، وثلاثة أرباع القنطار من الكتان المقصر) ، لإقامة الشمع المذكور؛ والكبيرة من الشمع توقد بجانب الإمام يكون وزنها من خمسين إلى ستين رطلا، يحترق بعضها بطول الشهر، ويعم الحرق لجميعها ليلة الختمة. وكان يخدم الجامع المذكور بقرطبة في دولة ابن أبي عامر ويتصرف فيه من أئمة، ومقرئين،