للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بل شدة العدو فضيلة في الفرس، وليست فضيلة على الإطلاق. والعلم فضيلة في ذاته وعلى الإطلاق من غير إضافة فإنه وصف كمال الله سبحانه وبه شرف الملائكة والأنبياء، بل الكيّس من الخيل خير من البليد فهي فضيلة على الإطلاق من غير اضافة. واعلم أن الشيء النفيس المرغوب فيه ينقسم إلى ما يطلب لغيره، وإلى ما يطلب لذاته. وإلى ما يطلب لذاته، وإلى ما يطلب لغيره ولذاته جميعا. فما يطلب لذاته: أشرف وأفضل مما يطلب لغيره.

والمطلوب لغيره: الدراهم والدنانير فإنهما حجران لا منفعة لهما، ولولا أن الله يسّر قضاء الحاجات بهما لكانا والحصباء بمثابة واحدة.

والذي يطلب لذاته: فالسعادة في الآخرة.

والذي يطلب لذاته ولغيره: فكسلامة البدن، فإن سلامة الرّجل مثلا مطلوبة من حيث أنها سلامة للبدن من الألم، ومطلوبة للتوصّل بها إلى المآرب والحاجات، وبهذا الاعتبار إذا نظرنا إلى العلم رأيته لذيذا في نفسه فيكون مطلوبا لذاته. ووجدته وسيلة إلى دار الآخرة وسعادتها، وذريعة الى القرب من الله تعالى ولا يتوصّل إليه إلاّ به.

وأفضل الأشياء رتبة في حق الآدمي السعادة الأبدية، وأفضل الأشياء، ما هو وسيلة اليها، ولن يتوصّل إليها إلا بالعلم والعمل، ولا يتوصل إلى العمل إلاّ بالعلم بكيفية العمل. فأصل السعادة في الدنيا والآخرة هو العلم. فهو إذا أفضل الأعمال، وكيف لا وقد تعرف فضيلة الشيء أيضا بشرف ثمرته، وقد عرفت أن ثمرة العلم القرب من رب العالمين والالتحاق بأفق الملائكة (١) ومقارنة الملأ الأعلى، هذا في الآخرة. وأما في الدنيا فالعز والوقار ونفوذ الحكم على الملوك ولزوم الاحترام في الطباع، حتى أن الأجلاف والأغبياء يصادفون طباعهم مجبولة على التوقير لشيوخهم لاختصاصهم، بمزيد علم مستفاد من التجربة، بل البهيمة بطبعها توقّر الإنسان لشعورها بتمييز الإنسان بكمال مجاوز لدرجتها، هذه وفضيلة العلم مطلقا. ثم تختلف العلوم كما سيأتي بيانه، وتتفاوت لا محالة فضائلها بتفاوتها.

وأما فضيلة التعليم والتعلّم فظاهرة مما ذكرناه فإن العلم إذا كان أفضل الأمور كان تعلّمه طلبا للأفضل، فكان تعليمه إفادة للأفضل. وبيانه ان مقاصد الخلق مجموعة في الدنيا والدين


(١) كذا في الأصل. وهي الكتابة القرآنية أو ما يسمى بالرسم العثماني حين جمع القرآن في عهد الخليفة عثمان بن عفان ، وقد ثار جدل لم ينته حتى اليوم بين الداعين إلى طبع القرآن وكتابته بالطريقة الإملائية المتبعة اليوم تيسيرا على الناس، وبين المتمسكين بالابقاء على طريقة الكتابة القديمة لأسباب يرونها وجيهة منها أن رسمه هكذا توقيفي، انظر ابن خلدون، المقدمة، ص ٥٢٦/ ٥٢٧؛ د. محمد عبد السلام كفافي، محاضرات في علوم القرآن الكريم، ص ٥٢.

<<  <   >  >>