للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والباطن: تصديق القلب، وصحّة اليقين، وثبوت المعرفة. فإذا صدق القلب استنار بنور الهدى الذي هو من هبات الله ﷿ لأن الهدى لا يدرك بوقوع علم، ولا بحضور فهم، قال تعالى: ﴿قل إن الهدى هدى الله﴾ [آل عمران،٣/ ٧٣] وقال ﷿: ﴿من يهدي الله فهو المهتدي﴾ (١).

فإذا اجتمعت الهداية مع العلم تأيّد المرء في جميع أحواله، وبعد عن عوارض الارتياب، وقوي في كل الأسباب.

فصل: أن ما ارتسم في الكتب ليس بنفس العلم بل هو حقيقة ذاته، وأنه لا يدعى حافظ

الأساطير بغير فهم عالما.

اعلم أن جميع ما ارتسم في الكتب، وخطّ في الصحف من العلم إنما هي صفاته، وفصوص من الحكم، وتصوير المعاني وإثبات الأصول، وإيقاع الفصول، وليس بنفس العلم.

لأن الخطّ لو كان نفس العلم لعلمه كل من قرأه، وأفاده كل من تصفّحه، وغني الناس به عن العلماء.

وحقيقة العلم: إنما هي نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء، وأمر بصنعه في جبلّته، وهو حجة الله تعالى على عباده.

فالصحيفة إنما هي صورة مثبوتة، وشخص مجسّم، روحه العلم، ونفسه الفهم، ومدبّره العقل، وقوته اليقين، وجوارحه الدلائل، وحواسّه البراهين. فإذا اجتمعت أحدثت حركات هي أعمال البرّ، وبها تتم خلقة العلم.

واعلم أنه لا يجب أن يدعى عالما من حفظ الأساطير وهو لا يفهم معانيها، ولا يحكم مبانيها، فلم يحصل إلاّ على هذر الكلام، ولا وصل من الفهم إلى فائدة الاستفهام، حتى إذا قعد في بحبوحة مجلسه، واحتبى من فضول ملبسه، هدرت شقاشقه (٢) ولمعت بخلّب (٣) القول بوارقه، فإذا استكشفته عن غامضة، وسألته الجمع بين متعارضة، تبلّد (٤) وتلدّد (٥)، وانسلّ عن ثياب المعرفة وتجرّد. فهذا أجدر باسم الجاهل، وهو عن العلم والفضل على مراحل.


(١) الكهف،١٨/ ١٧، كذا في الأصل وصوابها من يهد الله فهو المهتد دون حرف العلة بعد أداة الجزم.
(٢) شقشق الفحل شقشقة: هدر، دلالة على الفصاحة، ابن منظور، لسان العرب،١٠/ ١٨٥.
(٣) الخلابة: بكسر الخاء الخداع، والبرق الخلب: الذي لا مطر فيه، وهنا الكلام الذي لا طائل تحته. ابن منظور، لسان العرب،١/ ٣٦٤.
(٤) البلادة ضد الذكاء، وتبلّد تكلّف البلادة تردد وتحيّر، ابن منظور، م. س،٣/ ٩٦.
(٥) تلدّد: تحيّر وتلفّت يمينا وشمالا. ابن منظور، م. س،٣/ ٩٦.

<<  <   >  >>