للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثا: الحركة الفلسفية وكانت أقل انتشارا من سابقتيها وقد قامت على كواهل كثير من الأطباء النصارى واليهود الذين كانوا يخدمون في بلاط الأمويين ثم العباسيين بعدهم، أمثال، ابن ماسويه (١) وابن بختيشوع (٢) وثابت بن قرّة (٣) وسواهم، وهؤلاء كانوا متبحّرين في الطب والفلسفة معا.

وقد تأخر ظهور هذه الحركة بالنسبة للحركتين السابقتين، وتركزت وتجذرت في العصر العباسي، وساهم فيها العلماء المسلمون مساهمة فعالة لا سيما بعد نشوء الاعتزال وبروز الفرق الإسلامية، وبعد أن أصبحت الطريقة الفضلى للدفاع عن الإسلام والحجاج عن أفكاره ومبادئه. وترجمة علوم الآخرين وهو ما يعبر عنه بحركة الترجمة والتعريب.

[ج-الحركة العلمية في القرنين الأول والثاني]

يكاد يكون من المسلم به بأن تأريخ الفكر في الأمم المختلفة يسلك طريقا واحدا، فأمة تبني على أنقاض أمة، وفكر يناقش ويبتكر أو يطور فكرا آخر، وكما أن الفرد يتصرف حسب الحالة العقلية الطفولية ثم يتدرج في النمو وتنمو ملكاته العقلية فيتصرف حسب قوتها فكذلك الأمة تمر بهذه المراحل وتتعرض للمؤثرات سلبا أو ايجابا فيقول أحمد أمين: «وذكروا أن الأطوار التي تمر بها الأمم خمسة: أولا: عصر سرعة التصديق واعتناق الخرافات والأوهام، ثانيا: عصر الشك والشيخوخة» (٤). ويرى أن هذه العصور يسلم بعضها إلى البعض الآخر.

قد ينطبق هذا القانون على بعض الأمم ويختلف مدى تطبيقه على بعضها الآخر. فالأمة العربية عندما اعتنقت الإسلام، استطاعت أن تخضع فارس والروم بمدة زمنية قياسية، وقد ولد هذا الاخضاع كما ذكرنا احتكاكا مباشرا لقّح الفكر العربي بمؤثرات غريبة عنه، فحياة الفرس غير حياة الروم وحياة الأمتين غير حياة العربي المنطلق من الصحراء معتنقا فكر الإسلام وما زال متأثرا بنظرة الجاهلي للأمور تلك النظرة التي تتسم بالشمولية والتعميم ولا تعرف الفكر التحليلي، منطلقين من سرعة التصديق والشك إلى مرحلة البحث عن الحقيقة، وكان فيهم من شك في جدوى النظم القائمة أمثال زيد بن عمرو بن نفيل الذي نقل أبو الفرج عنه قوله: «يا معشر قريش أيرسل الله قطر السماء وينبت بقل الأرض ويخلق السائمة فترعى فيه وتذبحوها لغير الله» (٥).


(١) يوحنا بن ماسوية طبيب مقدم عند الملوك له تصانيف، وفاته (٢٤٣ هـ /٨٥٧ م) الزركلي، الاعلام،٨/ ٢١١.
(٢) جبرائيل بن بختيشوع بن جرجس طبيب الرشيد، وفاته (٢٨٣ هـ /٨٢٨ م) الزركلي، م. س،٢/ ١١١.
(٣) ثابت بن قره الحراني طبيب فيلسوف صابئي. وفاته (٢٨٨ هـ /٩٠١ م) الزركلي، م. س،٢/ ٩٨.
(٤) أمين، أحمد، م. س،٤/ ٢.
(٥) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني،٣/ ١٢٣.

<<  <   >  >>