للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أولا: الحركة الدينية وتشمل البحث في التشريع والقرآن والتفسير والحديث، وكان طبيعيا أن يحصل ذلك، فالإسلام ما زال غضا طريا وجديدا على الناس وقد أخذ بألبابهم بتسامحه وواقعيته وعدالته فأقبل الناس على دراسته وفهمه والتفقه فيه، وكانت الصدور موئلا لهذه العلوم في زمن يفتقر إلى التدوين المنظم ويعتمد الرواية الشفوية، وحمل الصحابة راية العلوم وقاموا بدورهم خير قيام وكان لكل صحابي تلاميذه وهم التابعون ثم جاء بعدهم تابعو التابعين، وهنا برز دور الموالي في رعاية الحركة العلمية، والملفت للنظر في هذه الحقبة أن الحديث كان أساسا لمعظم العلوم، فقد كان جمعه أساسا لكل العلوم الدينية، وتفرعت عنه علوم التفسير والفقه والسّيرة والطبقات وتأريخ الفتوحات وحتى العلوم اللسانية، فوضع علم النحو كان مبعثه الخوف من وقوع اللحن في القرآن الكريم.

ثانيا: الحركة التأريخية وتتمحور حول أخبار الأمم الماضية للاطلاع على كيفية سياسة الناس، وحكم الشعوب.

ونتج عن بروز دور الموالي العلمي، دخول كثير من الأفكار الجديدة التي كان بعضها دسا ناتجا عن عصبية مقيتة وهو ما سمي بالاسرائيليات فيما بعد. وكان وراءه من دخل في الإسلام ظاهرا لتحقيق مكاسب خاصة ومن ثم يدخل في الإسلام ما ليس منه في محاولة للتخريب من الداخل، وهنا نقف باحترام واكبار عظيمين أمام علمائنا الذين تعرّبوا وكان الإسلام جنسيتهم ووطنهم فقد ضربوا أروع الأمثلة في الورع والتقوى وخدموا الفكر والحضارة من خلال خدمة العلم.

وقد تنبّه العلماء لخطورة الصنف المخرّب، فكان علم التراجم والطبقات، ومن بعدهما علم الجرح والتعديل، ذلك الميزان الدقيق الذي يوزن به الرجال، ولسنا في مجال الحديث عن مقومات هذا العلم، وما يهمنا أن نوضح بأن التراجم فن من فنون التأريخ، وكان الاهتمام به نابعا من اهتمامهم بحديث رسول الله وجمعه وضبطه والتأكد من ورع الراوي الضابط المتقن الواعي، وقد عرفت عن الصحابة قاعدة تقول: «إنما هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذونها» (١).

ولم يقتصر الأمر على المحدّثين في سلوك هذا الطريق وإنما قلّدهم رجال اللغة والأدب فرأينا للشعراء طبقات وللنحويين طبقات كما للمحدثين والفقهاء والمفسرين، وطبّق النظام ذاته لدى اللغويين بذكر رجال السند كما نرى في كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني.


(١) الخطيب البغدادي، الرحلة في طلب الحديث، ص ١٦.

<<  <   >  >>